اللَّهُمَّ
إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ: عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا
عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ
كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا
لَمْ أَعْلَمْ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ
عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ [مَا اسْتَعَاذَ بِكَ] [مِنْهُ]
عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا
قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ
وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ
تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا))([1]).
الشرح:
هذا الدعاء العظيم الذي بين يديك أطلق عليه سيد الأولين والآخرين، بعد أوصاف كمالٍ وجلالٍ: أنه من ((الكوامل الجوامع))([2])
الذي ليس بعده مبنى يفيد في معنى الكمال في سعة المعنى، وشموله، واحتوائه
على أجلّ المقاصد، وأعلى المطالب منه، حيث أمر به صلى الله عليه وسلم إلى
أحب أزواجه، وابنة أحب رجاله، فما من خير يتمناه العبد ما علمه وما لم
يعلمه في دينه ودنياه وآخرته إلا وقد دخل فيه، وما من شرٍّ يخافه العبد مما
علمه، ومما لم يعلمه في دنياه وآخرته إلا وقد دخل في الاستعاذة منه, وغير
ذلك أنه من دعا به فقد كفاه ما دعا به سيد الأولين والآخرين طول حياته في
سرِّه وعلانيته، فأظنك يا عبد اللَّه قد علمت لماذا وصفه صلى الله عليه
وسلم بأنه من الكوامل الجوامع، بعد كل هذه المزايا ينبغي للعبد أن يفرّ
إليه في كل أحواله في أدعيته في ليله ونهاره، وفي سفره وحضره، مع قلّة
ألفاظه، وجزالة معانيه، وعذوبة كلماته، التي تجعلك يا عبد اللَّه أن تتشبّث
به.
قوله: ((اللَّهمّ إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمت منه و ما لم أعلم)):
أي يا اللَّه أعطني من جميع أنواع الخير مطلقاً في الدنيا والآخرة ما علمت
منه وما لم أعلم، والتي لا سبيل لاكتسابها بنفسي إلا منك([3]), فأنت تعلم أصلح الخير لي في العاجل والآجل.
قوله: ((وأعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمت منه، وما لم أعلم)):
أي: اللَّهمّ أجرني واعصمني من جميع الشرور العاجلة والآجلة في الدنيا
والآخرة، الظاهرة منها والباطنة، والتي أعلم منها، والتي لا أعلمها؛ فإن
الشرور إذا تكالبت على العبد أهلكته.
قوله: ((اللَّهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك)):
تأكيد لما قبله، وتفضيل لاختيار الرسول على اختيار الداعي، لكمال نصحه،
وحرصه على المؤمنين من أنفسهم، وهذا الدعاء الجليل، يتضمن كل ما فات
الإنسان من أدعية عن النبي صلى الله عليه وسلم التي لم تبلغه أو لم يسمع
بها، فهو يسأل كل ما سأله النبي صلى الله عليه وسلم بأوجز لفظ، وبأشمل معنى
.
قوله: ((وأعوذ بك من شر ما استعاذ به عبدُك ونبيُّك)): وهذا كسابقه، فذاك في [سؤال] الخير، وهذا في الاستعاذة من الشر، ويدخل كذلك كل شر ما استعاذ منه الرسول صلى الله عليه وسلم .
قوله: ((اللَّهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل)):
أي وفقني يا اللَّه إلى الأسباب القولية والفعلية الموصلة إلى الجنة، وهذا
الدعاء فيه تخصيص الخير الذي سأله من قبل؛ لأن هذا الخير هو أعظمه،
وأكمله، وهو الجنة، فلا خير أعظم منها [إلا رضى اللَّه، والنظر إلى وجهه الكريم].
قوله: ((وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل)): أي قني واعصمني من الوقوع في الأسباب الموجبة لدخول النار، سواء كانت [اعتقادية، أو] قولية أو فعلية، وهذا الدعاء فيه تخصيص من الشر المستعاذ منه من قبل، والعياذ باللَّه، فهي أشد الشر وأخطره، فما من شر أشد منها.
قوله: ((وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيراً))، وفي رواية وهي مفسرة للرواية الأخرى: ((وَمَا قَضَيْتَ لِي مِنْ قَضَاءٍ ، فَاجْعَلْ عَاقِبَتَهُ لِي رَشَدًا))([4]):
أي
أسألك يا اللَّه أن تكون عواقب كل قضاء تقضيه لي خيراً، سواء كان في
السراء أو الضراء، وافق النفس أو خالفها؛ لأن كل الفوز و الغنيمة في الرضا
بقضائك؛ فإنك لا تقضي للمؤمن إلا خيراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم ((عجباً
لأمر المؤمن، إنّ أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء
شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له))([5]) .
([1]) ابن ماجه، أبواب الدعاء، باب الجوامع من الدعاء، برقم 3846، بلفظه، وأحمد،
41/ 474، برقم 25019، ولفظ الزيادة الثانية له، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 1/521، ولفظ الزيادة الأولى له، وابن أبي شيبة، 10/ 263، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/327.
41/ 474، برقم 25019، ولفظ الزيادة الثانية له، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 1/521، ولفظ الزيادة الأولى له، وابن أبي شيبة، 10/ 263، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/327.
([2]) أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار بلفظ: ((الْجَوَامِعِ الْكَوَامِلِ))، شرح مشكل الآثار، 15 / 290، وقال يوسف بن موسى جمال الدين الملطي في المعتصر من المختصر من مشكل الآثار، 2/ 239: ((وله طرق كثيرة صحيحة)).
([3]) فيض القدير، 2/ 128 بتصرف.
([4])
الأدب المفرد للبخاري، ص 222، ومسند الطيالسي، 3 / 148، ومسند إسحاق بن
راهويه، 2/ 590، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص 243، برقم 498،
وصحيح الجامع، برقم 4047.
([5]) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، برقم 2999.
تعليقات
إرسال تعليق