ليست هذه المرة الأولى- وحتمًا لن تكون الأخيرة- التي يتطاول
فيها أعداء الإسلام على اختلاف مللهم ونحلهم ومعتقداتهم على سيد الأنبياء
والمرسلين وخير خلق الله نبينا محمد بن عبدالله " صلى الله عليه وسلم" ،
وقبل سنوات قليلة ثارت أزمة الرسوم المسيئة لمقامه الشريف، واليوم تتجدد
الإساءة بإعادة نشر هذه الرسوم المسيئة
سألنا عددًا من العلماء والمثقفين والمفكرين عن الوسيلة
المثلى للانتصار للإسلام ورسوله الكريم " صلى الله عليه وسلم" في هذه
الأزمات المتكررة، وإليكم التفاصيل.
أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر
د.عبدالفتاح إدريس أكد أنه لا يمكن الانتصار لنبي الإسلام " صلى الله عليه
وسلم" بمجرد قبول اعتذار من أساءوا إليه، بل على المسلمين أن يرفضوا
الاعتذار رفضًا تامًّا، وأن يسعوا للقصاص من القائمين على هذا العمل الدنيء
دون غيرهم.. بمعنى أنه إن أمكن للمسلمين القصاص من هؤلاء الذين أجرموا في
حق الرسول " صلى الله عليه وسلم" فعليهم ذلك، ولا يمتد هذا القصاص لعموم
اليهود والنصارى، أي لا يجوز للمسلمين أن يعتدوا على السفارات الأجنبية، أو
أن يهددوا من يعملون بها، فقد قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرَى}. وتابع قائلًا: وعلى المسلمين أيضًا أن يعبروا عن رفضهم
لهذه الإساءة والانتصار للرسول " صلى الله عليه وسلم" بمقاطعة التعاون مع
الدول المسيئة وبضائعها.
ضوابط
أما أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر د.أحمد طه ريان فوجّه
حديثه لكل من يحتجون ويغضبون كلما تجددت إساءة لرسول الله " صلى الله عليه
وسلم" ، قائلًا: ينبغي عليكم أن تغضبوا، لكن ينبغي أيضًا أن ينضبط هذا
الغضب بالضوابط الشرعية، فيكون بأسلوب حضاري يتفق ومبادئ الإسلام، فمن
الممكن الاعتصام أو الإضراب أو التظاهر بشكل سلمي، لكن دون تخريب أو
استخدام القوة أو الأساليب الهمجية التي تسيء إلى صورة الإسلام، وهذا أحد
الأمور التي يخطط لها القائمون على مثل هذه الإساءات، فليس مقصدهم فقط أن
يسيئوا لرسول الإسلام " صلى الله عليه وسلم" كشخص، بل أيضًا يسعون
للإساءة للإسلام من خلال إظهار المسلمين في تصرفاتهم كهمج منفلتين.
وأضاف د.ريان: ننتصر لرسول الله أيضًا بالضغط على حكومات
الدول التي تصدر لنا هذه الإساءات؛ حتى تتخذ من الإجراءات ما يضمن عدم
تكرار هذه الإساءات مستقبلًا، ومعروف أن هذه الدول لا تعرف سوى لغة
المصالح، والأمتان الإسلامية والعربية تمتلكان من وسائل الضغط ما يجبر دول
الغرب والشرق على احترام الإسلام.. وفي الوقت ذاته علينا استخدام الآليات
القانونية المتعارف عليها دوليًّا لاستصدار إعلان دولي من خلال الأمم
المتحدة لتجريم الإساءة لمقدساتنا وملاحقة القائمين عليها.
مؤامرة فعلية
بدوره، أكد المفكر الإسلامي والفقيه الدستوري د.أحمد كمال
أبوالمجد، على أن الإساءة إلى أي من المقدسات الدينية أمر لا تقبله كل
الدساتير والأعراف الدولية لدى المجتمع العالمي، والإسلام هو دين الجمال
والتسامح، وهو الدين الكامل الذي يكفل لكل الناس حرية الاعتقاد دونما أدنى
إكراه أو إيذاء، وعلى هذا النحو يجب على الأمم الأخرى أن تعاملنا بهذه
المنهجية العظيمة التي تعلي من شأن جميع البشر، فما بالنا بخير البشر، وقد
جعل الإسلام من احترام وتقديس كل الرسل على مر العصور شرطًا من شروط تمام
الإيمان، فنحن نؤمن بعيسى وموسى والنبيين- عليهم السلام- كما نؤمن تمامًا
بمحمد " صلى الله عليه وسلم" .
أضاف د.أبوالمجد : بكل تأكيد يتعين علينا جميعًا معاداة كل من
يظهر العداء لرسولنا الحبيب " صلى الله عليه وسلم" ، ويحاول أن يحقر من
مقدساتنا ورموزنا الدينية، لكننا يجب أن نضع نصب أعيننا أن ننتصر لنبينا
المصطفى " صلى الله عليه وسلم" باتباع أخلاقه، وكيف كان يتعامل مع كل من
تعمدوا إيذاءه؛ حتى نستطيع أن نظهر الوجه الحقيقي لسماحة الإسلام واعتداله،
بالشكل الذي يحبه ويرضاه، لا بالشكل الذي تسوقنا إليه أهواؤنا وأمزجتنا،
ويشمت أعداءنا فينا، ونمرر الفرصة تلو الفرصة على أعدائنا بالتفوه على
الإسلام بأنه دين العنف والإرهاب.. على عكس حقيقته.
ولعلي أرى أن ثمة مؤامرة فعلية تحاك ضد المسلمين بطريقة
ممنهجة وليست عشوائية من طرف ما لا نعرفه، ولكن نعرف ماذا يريد من هذا
التشويه المشين للرسول " صلى الله عليه وسلم" ، وعلينا ألا نلتفت إلى هذه
الأشياء الحقيرة النكرة، وأن نهتم بتوحيد صفوفنا؛ لأنه مهما كان منا لن
نستطيع أن ننصره إلا بوحدتنا وليس بتناحرنا فيما بيننا.
نموذج قوي
بينما أكد أستاذ الأديان والمذاهب بجامعة الأزهر د.خالد السيد
غانم، أن الرد يكون أولًا بإظهار أنموذج فريد قولًا وفعلًا للمسلم المتبع
للإسلام ورسوله الكريم " صلى الله عليه وسلم" ، ثم بمحاولة دراسة السيرة
والتعرف عليها من خلال الإعلام والتعليم والأسرة؛ للتعرف أكثر إلى حياته "
صلى الله عليه وسلم" ، ومن ثم الدفاع عنه من خلال الكتابة واللسان.. كما
قال الرسول " صلى الله عليه وسلم" لحسان بن ثابت وهو يرد على هجاء
المشركين للرسول قال: "اهْجُ الْمُشْرِكِينَ، وَجِبْرِيلُ مَعَكَ"، أَو "
ورُوحُ الْقُدُسِ مَعَكَ".
وتابع: أيضًا لابد من الظهور السريع للموقف الديني والسياسي
من جانب أولي الأمر، مع عدم الانسياق وراء أي إساءة حتى لا تخرج الأمور عن
سياقها الطبيعي، وتتحول إلى حرب وفتنة قد تتحول من العدو إلى أبناء الوطن
الواحد، وقد أحسن المصريون- مسلمين ونصارى- حينما تعاملوا بذكاء مع هذه
الأزمة، ولم تقع بينهم صدامات، كما كان يسعى القائمون على هذه الفتنة..
لذلك ينبغي أن يعي كل مسلم أن الانتصار لرسوله الكريم يكون
بتقديم أنموذج قوي للمسلم والدولة سياسيًّا واقتصاديًّا وأخلاقيًّا؛ حتى
يرى الآخرون ترجمة عملية للإسلام في حياة أتباعه.