هل
الصلاة المفروضة أو الدعاء إذا لم يذكر فيها الصلاة على النبي -صلى الله
عليه وسلم- تكون صحيحة أم لا؟ فإن أحد الأشخاص قال لنا: إن الصلاة والدعاء
لا تقبل إذا لم يذكر فيهما الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-،
بسم
الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله
وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فإن الصلاة على النبي -عليه الصلاة
والسلام- مشروعة في صلاتنا: في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر وفي
جميع النوافل، يشرع للمصلي أن نصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- في
التحيات في آخر الصلاة، بعدما يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله، يقول: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد،
كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، هذا نوع من الصلاة
الإبراهيمية الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهناك أنواع أخرى منها
قوله: (اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك
على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد
مجيد)، ونوع ثالث (اللهم صلى على محمد، وعلى وأزواجه وذريته، كما صليت على
آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم،
إنك حميد مجيد). وهناك أنواع أخرى من الصلاة على النبي -صلى الله عليه
وسلم-. وإذا أتى المسلم المصلي أو المرأة بنوع منها بما ثبت عن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- صح وكفى، ثم بعد هذا يقول: (اللهم إني أعوذ من عذاب
جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)،
ويدعوا بما أحب من الدعوات الطيبة قبل أن يسلم، وهذه الصلاة تشرع أيضاً في
التشهد الأول على الصحيح، وقالها جمع من أهل العلم أنها لا تقال إلا في
التشهد الأخير، ولكن الصحيح أنه يؤتى بها أيضاً في التشهد الأول بعد
الثنتين في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، إذا جلس في الثانية وقال: أشهد
أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يصلي على النبي -صلى الله
عليه وسلم- ثم ينهض للثالثة، أما بقية الدعاء فهو في الأخير في التشهد
الأخير، وهذا القول أصح، فعلى هذا نصلي على النبي في صلاتنا مرتين في الظهر
والعصر والمغرب والعشاء مرتين في التشهد الأول والتشهد الأخير، هذا هو
الأفضل. واختلف العلماء هل هي فريضة وركن في التشهد الأخير أم لا؟ على
أقوال: منهم من قال أنها ركن لا بد منها ولا تصح الصلاة إلا بها، وهذا هو
المعروف من مذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة. وقال آخرون: بل هي واجبة لا
ركن بل واجبة، إن تعمد تركها بطلت الصلاة، وإن نسيها لم تبطل الصلاة، ولكن
يسجد السهو، وهذا قول وسط. وقال آخرون: إنها سنة لا تبطل الصلاة بتركها لا
عمداً ولا سهواً، بل هي سنة مؤكدة لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم
يفرضها على الناس، ولكن لما سألوه قالوا: كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا:
(اللهم صلى على محمد.. إلخ)، ولو كانت فرضاً لفرضها عليهم قبل أن يسألوه،
وبينها لهم مع التشهد. وبكل حال فالذي ينبغي هو المجيء بها؛ لأن الرسول أمر
بها -عليه الصلاة والسلام- وقال: (قولوا: اللهم صلى على.. إلخ) وهذا أمر،
والأمر يقتضي الوجوب، فلا يبنغي للمؤمن أن يدعها في التشهد الأخير، أما
التشهد الأول فالأمر فيها واسع إن أتى بها فهو أفضل، وإن لم يأتي بها فلا
حرج عليه، ولكن ليس شرطاً للقبول إذا قلنا بها في التشهد الأول إنما هي
مستحبة، أما في التشهد الأخير فقد سمعت الخلاف، بعض أهل العلم قال: إنها
لابد منها، ومن تعمدها بطلت الصلاة، كما لو تعمد ترك التشهد أو تعمد ترك
الركوع أو السجود تبطل الصلاة. وقال آخرون من أهل العلم: إنها لا تبطل
الصلاة بذلك، ولكن يستحب له أن يصلي على النبي في آخر الصلاة، فإن تركها لم
تبطل صلاته. في أقوال أهل العلم معروفة، فلا ينبغي للمؤمن أن يدعها بل
ينبغي أن يحافظ عليها، ويجتهد في فعلها بعد التحيات، بعد قوله: أشهد أن لا
إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قبل أن يسلم، يصلي على النبي
-صلى الله عليه وسلم- حتى تصح صلاته عند الجميع، وحتى لا يعرضها للبطلان.
وأما الدعاء فهي مستحبة في الدعاء لكن ليس شرطاً في القبول، لو دعا ولم يصل
على النبي -صلى الله عليه وسلم- يرجى قبول دعائه، ولكن الأفضل أن يصلي على
النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل الدعاء، وبعد الدعاء، هذا هو الأفضل، لأن
الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما رأى رجلاً دعا ولم يحمد الله ولم يصل على
النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (عجل هذا) ثم قال: (إذا دعا أحدكم فليبدأ
بتمجيد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم
يدعوا بما شاء) فأرشدنا إلى أن نحمد الله أولاً، ثم نصلي على النبي -صلى
الله عليه وسلم-، ثم ندعو، هذا هو الأفضل وهذا هو الأقرب إلى الإجابة، لكنه
ليس شرطاً. وإذا ختم الدعاء بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- كان
أيضاً أفضل وأكمل وهو من أسباب الإجابة، لكن لو ترك لا يقال لا يجاب
الدعاء، بل الدعاء قد يجاب، قد يحصل به المقصود ولو لم يحمد الله في أوله،
ولو لم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- في أوله ولا في آخره، لكن فعل
ذلك، يعني كونه يحمد الله أولاً، ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم
يدعوا، ويلح بالدعاء، ثم يختم بالصلاة، فهذا كله من باب السنن، من باب
الفضائل، وهو من أسباب الإجابة، ولكن ليس شرطاً في القبول، فلو دعا ولم يصل
على النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن آثماً، ولا يرد دعائه بل يرجى
قبوله، إذا أخلص في ذلك، وسلم من الموانع التي تمنع من الإجابة. والموانع
كثيرة، فالمعاصي من أسباب الموانع، من أسباب عدم الإجابة، وأكل الحرام من
أسباب عدم الإجابة، والغفلة عن الله وأن يدعو بقلب ساهي غافل من أسباب عدم
الإجابة، فعدم الإجابة له أسباب، فينبغي للمؤمن أن يحرص على أسباب الإجابة،
بأن يكون طعامه حلالاً، وأن يكون بعيداً عن المعاصي عما حرم الله، وأن
يدعو الله بقلب حاضر مشفق راغب راجي يرجوا ربه ويخافه، قد حضر بين يديه
-سبحانه وتعالى-. ويتحرى أوقات الإجابة: كآخر الليل، وآخر الصلاة قبل
السلام، والسجود، فإن الدعاة بالسجود حري بالإجابة أيضاً، وهكذا بين الأذان
والإقامة من أسباب الإجابة. نسأل الله للجميع التوفيق.