صدرت
عدة فتاوى من هذا البرنامج بتكفير تارك الصلاة، سواء تركها جاحداً أم
متهاوناً، فتتبعنا الأقوال والأدلة في ذلك فرجح لدينا هذا الحكم، لكن وقفت
أمامنا مجموعة من الشبهات نرجو من سماحتكم ردها، وهي: أولاً: مصير تارك
الصلاة هل هو إلى الجنة أو إلى النار؟! وذلك
بسم
الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله
وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فإن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة
كلها قائمة على كفر تارك الصلاة، سواءٌ كان جاحداً أو متساهلاً، أما من كان
جاحداً لوجوبها فهذا كافر بإجماع المسلمين؛ لأنه مكذب لله ولرسوله عليه
الصلاة والسلام، ومن كذب الله أو كذب رسوله كفر بإجماع المسلمين. أما من
تركها تهاوناً لا جحداً فهذا هو محل الخلاف بين أهل العلم، والسائل قد عرف
ذلك، والصحيح كما عرفه السائل أن تاركها تهاوناً يكفر كفراً أكبر، وهذا قول
جماعة من أهل العلم، وقد حكاه التابعي الجليل عبد الله بن شقيق العقيلي عن
الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم ما كانوا يرون شيئاً تركه كفر إلا الصلاة.
وقد دل على ذلك أحاديث، منها: قوله عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين
الكفر والشرك ترك الصلاة) خرَّجه مسلم في صحيحه، وقوله عليه الصلاة
والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) خرَّجه
الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح عن بريدة
بن حصين -رضي الله عنه-. ومنها: قوله عليه الصلاة والسلام: (رأس الأمر
الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)، ومنها قوله -صلى
الله عليه وسلم- في الصلاة: (من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة
يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وحشر
يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف)، وهؤلاء من صناديد الكفرة
وكبارهم، فحَشْر تارك الصلاة معهم يدل على كفره، نسأل الله العافية
والسلامة، وإن كان لم يتركها بالكلية بل يترك بعضاً ويؤدي بعضاً، وهناك
أدلة أخرى دالة على ذلك. أما الشبهات الثلاث التي ذكرها السائل فجوابها
بحمد لله ميسَّر: أما حديث أبي ذر فهو دليل على أن من مات على التوحيد لا
يشرك بالله شيئاً فإنه من أهل الجنة وإذا زنى أو سرق وهكذا لو فعل معاصي
أخرى كالعقوق والربا وشهادة الزور ونحو ذلك فإن العاصي تحت مشيئة الله إن
شاء ربنا غفر له وإن شاء عذبه على قدر معاصيه إذا مات غير تائب، ولو دخل
النار وعذب فيها فإنه لا يخلد، بل سوف يخرج منها إلى الجنة بعد التطهير
والتمحيص، فمراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه وإن زنى وإن سرق فمصيره
إلى الجنة إذا مات على التوحيد، وإن جرى عليه قبل ذلك ما يجري على بعض
العصاة من العقوبات، وهكذا الأحاديث الأخرى الدالة على أن أهل التوحيد من
الجنة كما قال -صلى الله عليه وسلم- في حديث عتبان: (إن الله حرم على النار
من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) متفق عليه، وفي حديث جابر
عند مسلم يقول -صلى الله عليه وسلم-: (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل
الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار)، في أحاديث كثيرة. فهذا يدل على
أن أهل التوحيد مصيرهم إلى الجنة وإن جرى منهم بعض المعاصي فإنهم تحت مشيئة
الله، فقد يعفى عنهم ويدخلون الجنة من أول وهلة لأعمال صالحة اكتسبوها
رجحت بها موازينهم، وقد يدخلون النار ويعذبون فيها على قدر المعاصي ثم
يخرجون منها، كما ثبتت بذلك الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وتواترت، وقد أجمع على ذلك أهل السنة أن العصاة لا يخلدون في النار إذا
ماتوا مسلمين على التوحيد والإيمان فإنهم لا يخلدون في النار، خلافاً
للخوارج والمعتزلة ومن سلك مسلكهم، فيكون من دخل النار من أهل التوحيد وهو
عاصٍ غير مخلد بخلاف الكفار فإنهم يخلدون في النار أبد الآباد، فحديث أبي
ذر وما جاء في معناه إنما هو في حق العصاة الذين لم تصل معصيتهم إلى الكفر،
أما من وصلت معصيته إلى الكفر كتارك الصلاة والساب الدين والمستهزئ بالدين
وأشباههم هؤلاء نقضوا توحيدهم ونقضوا إسلامهم، فلم يبقَ معهم إسلام ولم
تنفعهم كلمة التوحيد إذا فعلوا ما ينقض الإسلام، فالذي ترك الصلاة ليس مثل
الزاني والسارق، بل شأنه فوق ذلك وأعظم من ذلك، فهو من جنس من سب الدين وسب
الله وسب الرسول أو استهزأ بالدين أو نحو ذلك، هؤلاء كفار بإجماع المسلمين
ولو قالوا لا إله إلا الله، ولو ماتوا غير مشركين؛ لأن سبهم للدين يدل على
احتقارهم له وعدم مبالاتهم به وهكذا استهزاؤهم به قال الله تعالى: ..قُلْ
أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ* لاَ
تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.. (65) سورة التوبة،
وهكذا لو جحد وجوب الصلاة كفر وإن كان موحداً، وإن كان يقول لا إله إلا
الله، وإن كان لا يشرك بالله شيئاً، عند جميع العلماء، إذا جحد وجوبها أو
جحد وجوب الزكاة أو جحد وجوب الصيام صيام رمضان أو جحد وجوب الحج مع
الاستطاعة أو جحد تحريم الزنا أو تحريم الخمر كفر إجماعاً؛ ولو قال لا إله
إلا الله ولو كان لا يشرك بالله شيئاً؛ لأن فعله هذا يجعله كافراً في حكم
المشركين، فيكون داخلاً فيمن أشرك، وهكذا تركه للصلاة يجعله داخلاً في
الكفار، والرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما حكم بالجنة لمن مات لا يشرك
بالله شيئاً، يعني لمن قال لا إله إلا الله موحداً غير مشرك، ومن ترك
الصلاة خرج من أهل التوحيد إلى أهل الكفر، وهكذا من سب الدين خرج من أهل
التوحيد إلى أهل الكفر، وهكذا من استهزأ بالدين وهكذا من جحد وجوب الصلاة
من جحد وجوب الزكاة من جحد وجوب صوم رمضان من جحد تحريم الزنا من جحد تحريم
المسكر من جحد تحريم العقوق للوالدين، من جحد تحريم دم المسلم بغير حق، من
جحد هذه الأمور كفر إجماعاً، ولم ينفعه قوله لا إله إلا الله ولم ينفعه
كونه لا يشرك بالله شيئاً من جهة الأصنام أو القبور أو غير ذلك؛ لأنه أتى
بناقض من نواقض الإسلام، ومن أتى بناقض من نواقض الإسلام لم تنفعه بقية
الأمور التي عنده، وهكذا لو استهان بالمصحف كفر إجماعاً، ولو قال: لا إله
إلا الله ولو كان لا يشرك بالله شيئاً، فلو جلس عليه إهانة له أو بال عليه
كفر إجماعاً؛ لأنه استهان بكلام الله واحتقر كلام الله ويدل على عدم
احترامه لله وعدم احترامه لكلامه سبحانه وتعالى، وبهذا تعلم أن قوله -صلى
الله عليه وسلم-: (من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة)، (من قال لا إله
إلا الله صادقاً من قلبه دخل الجنة) إنما هذا في حق من قالها ولم يأت بناقض
من نواقض الإسلام، أما إذا قالها وأتى بناقض كفر إجماعاً ولم تنفعه هذه
الكلمة، كما أن من توضأ الوضوء الشرعي فقد أتى بالطهارة الشرعية، له أن
يصلي، لكن لو أتى بناقض لو خرج منه الريح بعدما توضأ أو بال بطل هذا الوضوء
ولم تنفعه هذه الطهارة؛ لأنه أتى بناقض ينقضها فهكذا من أتى بناقض من
نواقض الإسلام لم ينفعه قوله: (لا إله إلا الله) أو شهادة أن لا إله إلا
الله أو كونه لا يشرك بالله؛ لأنه أتى بشيء ينقض دينه وينقض إسلامه.
الشبهة الثانية: حديث عبادة: في أن على الله عهداً من حافظ على الصلوات أن
يدخله الجنة ومن لم يحافظ عليها ليس له عند الله عهد)، هذا حديث ضعيف لا
يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأيضاً هو من حديث الفضائل، وثم لو صح
فهو محمول على من حافظ عليها ولكن أتى بشيء من النقص لم يتركها إنما حصل
فيها خلل من بعض الشئون التي لا تجعله تاركاً لها ولا جاحداً لها، فهذا
شأنه شأن من أتى بالمعاصي تحت مشيئة الله إذا كان يصلي ولكنه أخل بشيء مما
يجب فيها من جهة نقره لها بعض الأحيان أو أشياء أخل بها لا تجعله في حكم
التاركين، فهذا الإنسان قد يحصل له نقص في صلاته فيكمل له عمله بتطوعاته،
كما في الحديث الثاني حديث أبي هريرة: (أن العبد إذا أتى بالصلاة أمر الله
أن ينظر فيها فإن كملت كتبت كاملة وإلا قال سبحانه: "انظروا هل لعبدي من
تطوع فيكمل به فرضه" فلو صح حمل على أنه أتى بشيء من النقص فيكمل فرضه ولا
يكون حكمه حكم من ترك، بخلاف من تركها دائماً أو ترك بعضها كمن يصلي الظهر
دون الفجر أو يصلي العصر دون المغرب والعشاء أو ما أشبه ذلك فهذا من ترك
بعضها حكم من تركها كلها، نسأل الله العافية. وأما الشبهة الثالثة: حديث:
(صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وصلوا على من قال لا إله إلا الله) فهذه
أحاديث ضعيفة لا تصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولو صحت لكان المعنى
صلوا خلف من قال لا إله إلا الله إذا قالها بحق واستقام عليها، وهكذا صلوا
خلف من قال لا إله إلا الله، يعني إذا قالها والتزم معناها وأدى حقها، فأما
من قالها ونقضها بالشرك أو نقضها بأنواع من الكفر لم تنفعه، فالمنافقون
يقولون لا إله إلا الله ويصلون مع الناس ويصومون ويحجون وهم كفار؛ لأنهم
نقضوها بكفرهم الباطن واعتقادهم الباطن وتكذيبهم لله بالباطن، فهكذا من
قالها كما تقدم وسب الدين أو سب الرسول أو سب الله أو استهزأ بالدين أو
استهان بالمصحف أو ما أشبه ذلك فإن قوله لا إله إلا الله لا ينفعه لأنه أتى
بناقض ينقض هذا الكلام ويدل على كفره وأن قوله لا إله إلا الله ليس بصادق،
بل عنده من الاستهانة بالله وبحق أحكامه وبشريعته ما يجعله معدوم الإيمان
ناقض هذا القول لأنه قال قولاً لا حقيقة له ولا يعقده إيمانه وتصديقه، نسأل
الله العافية. - قد يقف بعض السادة المستمعين كما وقفت سماحة الشيخ عبد
العزيز عند هذه المناقشة الواعية اليقظة من طالب في الثانوية، لعل هذا
الوقت يسمح لنا بكلمة توجهونها لمن مثله وفي هذا السن وفي هذه المرحلة من
التعليم؟ ج/ لا شك أن الطلبة قدوة لغيرهم وقدوة لزملائهم والأساتذة فوق
ذلك، وهذا الكلام يعطينا أن هذا الطالب عنده اهتمام بدينه ونشاط في معرفة
الحق، زاده الله خيراً، فوصيتي له ولأمثاله من الشباب أن يتقوا الله وأن
يهتموا بدينهم وأن لا يشغلوا بالمواد الأخرى عن مواد الدين وعن التفقه في
الدين، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من يرد الله به خيراً يفقهه
في الدين)، فالواجب على الجميع أن يعنوا بدينهم وأن يتفقهوا فيه في الثانوي
وفي الدراسة الجامعية وفي المطالعة بينهم والمذاكرة ومع الأساتذة، حتى
يحفظوا دينهم وحتى يتبصروا وحتى يعرفوا الحكم بدليله؛ لأن العلم هو معرفة
الحكم بدليله لا بالتقليد ورأي فلان وفلان، فالعالم هو الذي يعرف الأحكام
بأدلتها من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، كما أني أوصي
الأساتذة والمدرسين في كل مكان أن يتقوا الله وأن يكونوا قدوة صالحة للطلبة
في المحافظة على الصلاة في الجماعة والعناية بها وتعظيم شأنها، وحث الطلبة
على ذلك، حتى يكون الأستاذ قدوة للطالب في تعظيم أمر الله ونهيه، وفي
المحافظة على الصلاة في جماعة وفي تعظيم شأنها والحذر من التهاون بها، رزق
الله الجميع التوفيق والهداية.