12 نوفمبر، 2014

الفضيحة

من علامات حب الدنيا : بيع الآخرة بالاغتراف من المال دون مبالاة بمصدره : حلال أم حرام ، وقد تنبَّأ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الزمان ، ولعله زماننا الذي نعيش فيه فقال : « ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء مما أخذ المال؟ أمن حلال أم من حرام؟ » .
وجزم في قول آخر أن هذا الداء داء قديم موغل في القِدم فقال :
« إن هذا الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم » .
وإذا كان لا بد من ورود كلمة الحرص في قاموس حياتك ، فليكن الحرص النافع لا الحرص الفاجع كما في نصيحة العابد الزاهد عبد الواحد بن زيد الذي قال :
" الحرص حرصان : حرص فاجع ، وحرص نافع ، فأما النافع : فحرص المرء على طاعة الله ، وأما الحرص الفاجع : فحرص المرء على الدنيا " .
ومن علامات حب الدنيا : الحسد الذي يحس صاحبه بالألم إذا فاته من حظوظ الدنيا شيء كالمال والجاه والمنصب والسلطان ، فلا يرضى عن حاله أبدا ، بل يعتبر نفسه دائما سيء الحظ صريع الأقدار لأنه لم ينل ما نال غيره ، مع أنه لا يحس بنفس الشعور إذا رأى من هو خير منه دينا وأفضل منه خلقا ، فلا يغار إلا لدنيا ، ولا ينافس أبدا في دين ، ليكون ممن عيَّرَهم ابن المبارك بقوله :
أرى أناسا بأدنى الدين قد قنعوا ** ولا أراهم رضوا في العيش بالدون
فاستغنِ بالدين عن دنيا الملوك كما ** استغنى الملوك بدنياهم عن الدين

والحسد كما علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخدش الإيمان كما قال صلى الله عليه وسلم : « ولا يجتمعان في قلب عبد : الإيمان والحسد » ، فيا أخي الحاسد :
متى تُمسي وتُصبح مستريحا ** وأنت الدهر لا ترضى بحال
وقد يجري قليل المال مجرى ** كثير المال في سد الخلال
إذا كان القليل يسدُّ فقري ** ولم أجد الكثير فلا أبالي

ومن علامات حب الدنيا : كثرة الحديث عنها ، فمن أحبَّ شيئا أكثر من ذكره ، فكثرة الكلام عن التجارات ، وأحدث الأزياء والموضات ، وأنواع السيارات ، وآخر الصيحات ، وأشهى المأكولات ، وإضاعة المجالس في الإشادة بهذه الأمور ؛ كل هذا يدل على أن القلب مزدحم بدنيا لم تفسح للآخرة موضع قدم.
ومن علامات حب الدنيا : المغالاة في الاهتمام بترفيه النفس مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا ، والاهتمام بالكماليات والترفيات اهتماما يملك عليه وقته وعقله ، فيجهد نفسه بشراء الأنيق من اللباس ويزوِّق مسكنه وينفق الأموال والأوقات في هذا ، ويغرق في التنعيم والترف المنهي عنه في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأوصاه فقال : « إياك والتنعيم ، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين » .
ولذلك حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على أخذ الكفاية من الدنيا دون التوسع الذي يشغل عن ذكر الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنما يكفيك من جمع المال خادم ومركب في سبيل الله » ، بل هدَّد النبي صلى الله عليه وسلم المكثرين من الأموال إلا أهل الصدقات فقال : « ويل للمكثرين إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا ، أربع عن يمينه وعن شماله ومن قُدَّامه ومن ورائه » ، وصدق القائل :
فلو كانت الدنيا جزاءً لمُحسِنٍ ** إذا لم يكن فيها معاش لظالم
لقد جاع فيها الأنبياء كرامة ** وقد شبِعت فيها بطون البهائم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـ البجيدي الاسلامية ©