12 نوفمبر، 2014

شهوة حب الدنيا وجمع المال

وهي أول شهوة حذَّر منها النبي صلى الله عليه وسلم أمّته حيث قال صلى الله عليه وسلم : « إن الدنيا خضرة حلوة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا ، .. » .
ولأن الرزق مضمون ، لذا لم يخش علينا النبي صلى الله عليه وسلم من الفقر بل خاف علينا الغنى ، فأقسم صلى الله عليه وسلم –وهل يحتاج مثله إلى قسم؟!- : « والله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسِطت على من كان قبلكم ؛ فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم » .
والحق أن شهوة حب المال عمت غالب الخلق حتى فُتِنوا بالدنيا وزهرتها ، وصارت غاية قصدهم : لها يطلبون ، وبها يرضون ، ومن أجلها يغضبون ، وبسببها يوالون ، وعليها يعادون ، وكم قُطِعت أرحام في سبيلها ، وسُفِكت دماء بسببها ، ووقعت فواحش من أجلها ، ونزلت القطيعة وحلَّت البغضاء ، وفُرِّق بين الأخ وأخيه ، وتقاتل الأب مع ابنه ، وتعادى الأصحاب والخلان ، والسبب : دنيا.
وهذا ما استشرفه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حتى لم يؤثِّر في بصيرته الفرح بالغنيمة والانشغال بالنصر ، فقد أورد ابن حجر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُتي بمال من المشرق يُقال له نفل كسرى ، فأَمر به فصُبَّ وغُطِّي ، ثم دعا الناس فاجتمعوا ، ثم أمر به فكُشِف عنه ، فإذا حُلي كثير وجوهر ومتاع ، فبكى عمر ، وحمد الله عز وجل ، فقالوا له : ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟! هذه غنائم غنمها الله لنا ونزعها من أهلها ، فقال : " ما فُتِح من هذا على قوم إلا سفكوا دماءهم واستحلوا حرمتهم " .
ولماذا لا يبكي عمر ، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المصير في نظره لحالنا المؤلم من وراء ستار رقيق ، فقال : « كيف أنتم إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم. أي قوم أنتم؟ ». قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : نقول كما أمرنا الله. قال : « أو غير ذلك؟ تتنافسون ، ثم تتحاسدون ، ثم تتدابرون » .
ولأنه رأى ما لم نر ، وأحس بما ينتظرنا ، وخاف من سوء عاقبتنا ، فقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من أناس يبيعون الدين بعرض الدنيا ، فقال صلى الله عليه وسلم : « بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم : يُصبح الرجل مؤمنا ويُمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، يبيع دينه بعرض من الدنيا » .
وهو ما أخاف عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة حتى بكى ، فقال : يا أبا فلان!! أتخشى علي. قال : كيف حبك للدرهم؟! قال : لا أحبه قال : " لا تخف فإن الله سيعينك " .
ومن آثارها المدمِّرة عدم جدوى نصيحة عشاقها ، وهو ما سبق ورصده أبو يحيى مالك بن دينار حين قال : " إن البدن إذا سقم لم ينجح فيه طعام ولا شراب ، ولا نوم ولا راحة ، وكذلك القلب إذا علقه حب الدنيا لم تنجح فيه الموعظة " .
ومن آثارها المؤلمة والمشاهدة بوضوح والمُجرَّبة مرارا وتكرارا أنك " بقدر ما تحزن للدنيا يخرج همّ الآخرة من قلبك ، وبقدر ما تحزن للآخرة كذلك يخرج همّ الدنيا من قلبك " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـ البجيدي الاسلامية ©