السؤال:
ما هي كيفية الصلاة؟
الإجابة: كيفيتها أن يبدأها بالتكبير في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، يقول: "الله أكبر" -الرجل والمرأة- ثم يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا الله غيرك"، هذا هو أخصر ما ورد في الاستفتاحات، أو يقول: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد"، وهذا أصح شيء ورد في الاستفتاح، فإن فعل هذا أو هذا فكله صحيح، وهناك استفتاحات أخرى ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بشيء منها صح ولكن هذان الاستفتاحان من أخصرها، فإذا أتى الرجل أو المرأة بواحد منهما كفى، وهذا الاستفتاح مستحب وليس بواجب، فلو شرع في القراءة حالا بعد التكبير أجزأ ولكن كونه يأتي بالاستفتاح أفضل تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
ثم يقول الرجل أو المرأة بعد دعاء الاستفتاح: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم"، ثم يقرأ الفاتحة، وهي: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، ثم يقول: "آمين"، وآمين ليست من الفاتحة وهي مستحبة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها بعد الفاتحة في الجهرية، والسرية يقول آمين ومعناها اللهم استجب.
ثم يقرأ ما تيسر من القرآن الكريم بعد الفاتحة في الأولى والثانية من الظهر، والأولى والثانية من العصر، والأولى والثانية من المغرب، والأولى والثانية من العشاء، وفي الثنتين كلتيهما من الفجر، يقرأ الفاتحة وبعدها سورة أو آيات، والأفضل في الظهر أن يكون من أوساط المفصل مثل: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}، ومثل: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، ومثل: {عَبَسَ وَتَوَلَّى}، ومثل: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، ومثل: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ}، وما أشبه ذلك.
وفي العصر مثل ذلك لكن تكون أخف من الظهر قليلاً، وفي المغرب كذلك يقرأ بعد الفاتحة ما تيسر من هذه السور أو أقصر منها، وإن قرأ في بعض الأحيان بأطول في المغرب فهو أفضل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب في بعض الأحيان بالطور وقرأ فيها بالمرسلات، وقرأ فيها في بعض الأحيان بسورة الأعراف قسمها في الركعتين، ولكنه في الأغلب يقرأ فيها من قصار المفصل مثل: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}، أو {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ}، أو {إِذَا زُلْزِلَتِ}، أو القارعة أو العاديات ولا بأس في ذلك، ولكن في بعض الأحيان يقرأ أطول كما تقدم.
وفي العشاء يقرأ مثلما قرأ في الظهر والعصر، يقرأ الفاتحة وزيادة معها في الأولى والثانية مثل: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ}، و {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ}، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}، و {عَبَسَ وَتَوَلَّى}، و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، وما أشبه ذلك أو آيات بمقدار ذلك في الأولى والثانية، وهكذا في الفجر يقرأ بعد الفاتحة زيادة ولكنها أطول من الماضيات ففي الفجر تكون القراءة أطول من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويقرأ في الفجر مثل: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}، و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}، أو أقل من ذلك مثل التغابن والصف و {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}، و {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}، وما أشبه ذلك، ففي الفجر تكون القراءة أطول من الظهر والعصر والمغرب والعشاء اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولو قرأ في بعض الأحيان أقل أو أطول من ذلك فلا حرج عليه، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في بعض الأحيان بأقل من ذلك ولكن كونه يقرأ في الفجر في الغالب بالطوال فهذا أفضل تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما في الثالثة والرابعة من الظهر والعصر والثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من العشاء فيقرأ فيها بالفاتحة ثم يكبر للركوع، لكن ورد في الظهر ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان قد يقرأ زيادة على الفاتحة في الثالثة والرابعة فإذا قرأ في بعض الأحيان في الظهر في الثالثة والرابعة زيادة على الفاتحة مما تيسر من القرآن الكريم فهو حسنٌ تأسياً به صلى الله عليه وسلم، فهذه صفة القراءة في الصلاة.
الركوع
ثم يركع قائلاً: "الله أكبر" ويعتدل في الركوع ويطمئن ولا يعجل، ويجعل يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويسوي رأسه بظهره ويقول: "سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الركوع فعظموا فيه الرب"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الركوع: "سبحان ربي العظيم"، قالت عائشة رضي الله عنها: "كان يكثر أن يقول في الركوع والسجود: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"، وهذا كله مستحب، والواجب: "سبحان ربي العظيم" مرة واحدة، وإن كررها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر كان أفضل، وجاء أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الركوع: "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، سبوح قدوس رب الملائكة والروح" فإذا قال مثل هذا فحسن اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
الرفع من الركوع:
ثم يرفع من الركوع قائلاً: "سمع الله لمن حمده" إذا كان إماماً أو منفرداً، ويرفع يديه مثلما فعل عند الركوع حيال منكبيه أو حيال أذنيه عند قوله: "سمع الله لمن حمده"، ثم بعد انتصابه واعتداله يقول: "ربنا ولك الحمد" أو "اللهم ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد"، فهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وقوله، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم شخصاً سمعه يقول: "حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه" فأقره على ذلك صلى الله عليه وسلم وقال أنه رأى كذا وكذا من الملائكة كلهم يبادر ليكتبها ويرفعها، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة، وإن زاد على هذا فقال: "أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد"، فذلك حسن، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوله في بعض الأحيان، ومعنى: "لا ينفع ذا الجد" يعني: ولا ينفع ذا الغنى منك غناه، فالجميع فقراء إلى الله سبحانه وتعالى، والجد هو الحظ والغنى.
وأما إذا كان مأموماً فإنه يقول: "ربنا ولك الحمد" عند الرفع من الركوع، ويرفع يديه أيضاً حيال منكبيه أو حيال أذنيه عند الرفع قائلاً: "ربنا ولك الحمد" أو "ربنا لك الحمد" أو "اللهم ربنا لك الحمد" أو "اللهم ربنا ولك الحمد"، كل هذا مشروع للإمام والمأموم والمنفرد جميعاً، لكن الإمام يقول سمع الله لمن حمده أولاً وهكذا المنفرد، ثم يأتي بالحمد بعد ذلك، أما المأموم فإنه يقولها بعد انتهائه من الركوع يقول عند رفعه: "ربنا ولك الحمد" ولا يأتي بالتسميع أي لا يقول: "سمع الله لمن حمده" على الصحيح المختار الذي دلت عليه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والواجب الاعتدال في هذا الركن ولا يعجل، فإذا رفع واعتدل واطمأن قائماً وضع يديه على صدره هذا هو الأفضل، وقال بعض أهل العلم يرسلهما، ولكن الصواب أن يضعهما على صدره فيضع كف اليمنى على كف اليسرى على صدره كما فعل قبل الركوع وهو قائم، هذه هي السنة لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان قائماً في الصلاة وضع كفه اليمنى على كفه اليسرى في الصلاة على صدره، ثبت هذا من حديث وائل بن حجر وثبت هذا أيضاً من حديث قبيصة الطائي عن أبيه، وثبت مرسلاً من حديث طاووس عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو الأفضل وهذه هي السنة، فإن أرسل يديه في صلاته فلا حرج وصلاته صحيحة لكنه ترك السنة، ولا ينبغي لمؤمن أو مؤمنة المشاقة في هذا أو المنازعة، بل ينبغي لطالب العلم أن يعلم السنة لإخوانه من دون أن يشنع على من أرسل، ولا يكون بينه وبين غيره ممن أرسل العداوة والشحناء لأنها سنة نافلة فلا ينبغي من الإخوان لا في أفريقيا ولا في غيرها النزاع في هذا والشحناء بل يكون التعليم بالرفق والحكمة والمحبة لأخيه كما يحب لنفسه، فهذا هو الذي ينبغي في هذه الأمور، وجاء في صحيح البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كان الرجل يؤمر أن يجعل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.
قال أبو حازم الراوي عن سهل: لا أعلمه إلا يروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن المصلي إذا كان قائماً يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى، والمعنى على كفه والرسغ والساعد لأن هذا هو الجمع بينه وبين رواية وائل بن حجر فإذا وضع كفه على الرسغ والساعد فقد وضعت على الذراع لأن الساعد من الذراع، فيضع كفه اليمنى على كفه اليسرى وعلى الرسغ والساعد كما جاء مصرحاً في حديث وائل المذكور، وهذا يشمل القيام قبل الركوع والقيام بعد الركوع، وهذا الاعتدال بعد الركوع من أركان الصلاة فلا بد منه، وبعض الناس قد يعجل من حين أن يرفع ينزل ساجداً وهذا لا يجوز، فالواجب على المصلي أن يعتدل بعد الركوع ويطمئن ولا يعجل، قال أنس رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وقف بعد الركوع يعتدل ويقف طويلاً حتى يقول القائل: "قد نسي" وهكذا بين السجدتين، فالواجب على المصلي في الفريضة والنافلة ألا يعجل بل يطمئن بعد الركوع ويأتي بالذكر المشروع، وهكذا بين السجدتين لا يعجل بل يطمئن ويعتدل كما يأتي ويقول بينهما: "رب اغفر لي، رب اغفر لي" كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم.
السجود الأول:
ثم بعد هذا الحمد والثناء والاعتدال والطمأنينة بعد الركوع ينحط ساجداً قائلاً: "الله أكبر" من دون رفع اليدين، لأن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدم الرفع في هذا المقام، فيسجد على أعضائه السبعة جبهته وأنفه هذا عضو وكفيه وعلى ركبتيه وعلى أصابع رجليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة -وأشار بيده على أنفه- واليدين والركبتين وأطراف القدمين"، هذا هو المشروع وهو الواجب على الرجال والنساء جميعاً أن يسجدوا على هذه الأعضاء السبعة: الجبهة والأنف هذا عضو، واليدين ويمد أطراف أصابعه إلى القبلة ضاماً بعضهما إلى بعض، والركبتين وأطراف القدمين يعني على أصابع القدمين باسطاً الأصابع على الأرض معتمداً عليها وأطرافها إلى القبلة، هكذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، والأفضل أن يقدم ركبتيه قبل يديه عند انحطاطه للسجود هذا هو الأفضل.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقدم يديه ولكن الأرجح أن يقدم ركبتيه ثم يديه، لأن هذا ثبت من حديث وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه" فأشكل هذا على كثير من أهل العلم، فقال بعضهم: يضع يديه قبل ركبتيه، وقال آخرون: بل يضع ركبتيه قبل يديه، وهذا هو الذي يخالف بروك البعير لأن بروك البعير يبدأ بيديه فإذا برك المؤمن على ركبتيه فقد خالف البعير وهذا هو الموافق لحديث وائل بن حجر وهذا هو الصواب، أن يسجد على ركبتيه أولاً ثم يضع يديه على الأرض، ثم يضع جبهته أيضاً على الأرض هذا هو المشروع، فإذا رفع رفع وجهه أولاً ثم يديه ثم ينهض هذا هو المشروع الذي جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الجمع بين الحديثين، وأما قوله في حديث أبي هريرة: "وليضع يديه قبل ركبتيه" فالظاهر والله أعلم أنه انقلاب كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله، إنما الصواب أن يضع ركبتيه قبل يديه حتى يوافق آخر الحديث أوله وحتى يتفق مع حديث وائل بن حجر وما جاء في معناه.
وفي هذا السجود يقول: "سبحان ربي الأعلى: ويكررها ثلاثاً أو خمسا أو أكثر من ذلك، ولكن إذا كان إماماً فإنه يراعي المأمومين حتى لا يشق عليهم، أما المنفرد فلا يضره لو أطال بعض الشيء، وكذلك المأموم تابع لإمامه يسبح ويدعو ربه في السجود حتى يرفع إمامه.
والسنة للإمام والمأموم والمنفرد الدعاء في السجود، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" أي حري أن يستجاب لكم، وجاء في الحديث الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً"، فالقرآن لا يُقرأ لا في الركوع ولا في السجود، إنما القراءة في حال القيام في حق من قدر، وفي حال القعود في حق من عجز عن القيام يقرأ وهو قاعد، أما الركوع والسجود فليس فيهما قراءة وإنما فيهما تسبيح للرب وتعظيمه، وفي السجود زيادة على ذلك وهو الدعاء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في سجوده فيقول: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره" فيدعو بهذا الدعاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو به كما رواه مسلم في صحيحه، وثبت في صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء"، وهذا يدلنا على شرعية كثرة الدعاء في السجود من الإمام والمأموم والمنفرد ويدعو كل منهم في سجوده مع التسبيح أي مع قوله: "سبحان ربي الأعلى"، ومع قوله: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"؛ لما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها عند الشيخين البخاري ومسلم رحمة الله عليهما قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي.
ويشرع في السجود مع العناية بالدعاء بالمهمات في أمر الدنيا والآخرة، ولا حرج أن يدعو لدنياه كأن يقول: "اللهم ارزقني زوجة صالحة" أو تقول المرأة: "اللهم ارزقني زوجاً صالحاً" أو "ذرية طيبة" أو "مالاً حلالاً" أو ما أشبه ذلك من حاجات الدنيا، ويدعو بما يتعلق بالآخرة وهو الأكثر والأهم كأن يقول: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره، اللهم أصلح قلبي وعملي، وارزقني الفقه في دينك، اللهم إني أسألك الهدى والسداد، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار"، وما أشبه هذا الدعاء، ويكثر في سجوده من الدعاء ولكن بغير إطالة تشق على المأمومين، فيراعيهم إذا كان إماماً ويقول مع ذلك في سجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"، كما تقدم مرتين أو ثلاثاً كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام.
الجلوس بين السجدتين:
ثم يرفع من السجدة قائلاً: "الله أكبر" ويجلس مفترشاً يسراه ناصباً يمناه، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى أو على الركبة باسط الأصابع على ركبته، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى أو على ركبته اليسرى ويبسط أصابعه عليها، هكذا السنة ويقول: "رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي"، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقوله، ويستحب أن يقول مع هذا: "اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني"، لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، وإذا قال زيادة فلا بأس، كان يقول: "اللهم اغفر لي ولوالدي، اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار، اللهم أصلح قلبي وعملي" ونحو ذلك، ولكن يكثر من الدعاء بالمغفرة فيما بين السجدتين كما ورد عن النبي.
السجود الثاني
ثم بعد ذلك يسجد السجدة الثانية قائلاً: "الله أكبر"، ويسجد على جبهته وأنفه وعلى كفيه وعلى ركبتيه وعلى أطراف القدمين كما فعل في السجدة الأولى، ويعتدل في سجوده فيرفع بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ويجافي عضديه عن جنبيه، ويعتدل في السجود، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب"، وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك" فالسنة أنه يعتدل واضعاً كفيه على الأرض رافعاً ذراعيه عنها ولا يبسطها كالكلب والذئب ونحو ذلك، بل يرفعهما ويرفع بطنه عن فخذيه ويرفع فخذيه عن ساقيه حتى يعتدل في السجود وحتى يكون مرتفعاً معتدلاً واضعاً كفيه على الأرض رافعاً ذراعيه عن الأرض كما أمر بهذا النبي صلى الله عليه وسلم، وكما فعل عليه الصلاة والسلام، ثم يقول في سجوده: "سبحان ربي" الأعلى ويكرر ذلك ثلاثاً أو أكثر، ويدعو كما تقدم في السجود الأول.
جلسة الاستراحة
ثم يكبر رافعاً وناهضاً إلى الركعة الثانية، والأفضل للمصلي أن يجلس جلسة خفيفة بعد السجود الثاني، يسميها بعض الفقهاء جلسة الاستراحة يجلس على رجله اليسرى مفروشة وينصب اليمنى مثل حاله بين السجدتين ولكنها خفيفة ليس فيها ذكر ولا دعاء، هذا هو الأفضل، وإن قام ولم يجلس فلا حرج، لكن الأفضل أن يجلسها كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال بعض أهل العلم إن هذا يفعل عند كبر السن وعند المرض، ولكن الصحيح أنها سنة من سنن الصلاة مطلقة للإمام والمنفرد والمأموم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، ولو كان المصلي شاباً أو صحيحاً فهي مستحبة على الصحيح ولكنها غير واجبة، لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تركها في بعض الأحيان، ولأن بعض الصحابة لم يذكرها في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على عدم الوجوب.
ثم ينهض إلى الركعة الثانية مكبراً قائلاً: "الله أكبر" من حين يرفع من سجوده جالساً جلسة الاستراحة أو حين يفرغ من جلسة الاستراحة ينهض ويقول: "الله أكبر"، فإن بدأ بالتكبير ثم جلس نبَّه الجماعة على أن لا يسبقوه حتى يجلسوها ويأتوا بهذه السنة، وإن جلس قبل أن يكبر ثم رفع بالتكبير فلا بأس، المهم أن هذه جلسة مستحبة وليست واجبة، فإذا أتى بالتكبير قبلها وجَّه المأمومين حتى لا يسبقوه وإن جلس أولاً ثم رفع بالتكبير فلا حاجة إلى التنبيه إلى ذلك إلا من باب تعليم السنة.
القيام والقراءة في الركعة الثانية
ثم بعد أن يقوم للثانية يفعل فيها كما فعل في الأولى، ويقرأ الفاتحة ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسمي الله، وإن ترك التعوذ واكتفى بالتعوذ الأول في الركعة الأولى فلا بأس وإن أعاده فهذا أفضل، لأنه مع قراءة جديدة فيتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسمي الله ويقرأ الفاتحة ثم يقرأ معها سورة أو آيات كما فعل في الركعة الأولى، لكن تكون السورة في الركعة الثانية أقصر من الأولى كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه.
الركوع الثاني
فإذا فرغ من القراءة كبر للركوع كما فعل في الركعة الأولى فيكبر رافعاً يديه قائلاً: "الله أكبر" ثم يضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع كما فعل في الركعة الأولى ويكون مستوياً ورأسه حيال ظهره، هكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: "سبحان ربي العظيم" ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك، ولكن بشرط ألا يشقَّ على المأمومين إذا كان إماماً، ويستحب أن يقول مع ذلك: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"، كما تقدم وإن قال: "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة" فحسن أيضاً، وهكذا: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح"، كل هذا حسن فعله النبي صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود.
القيام بعد الركوع الثاني
ثم بعد ما يأتي بالأذكار المشروعة في الركوع ينهض رافعاً يديه قائلاً: "سمع الله لمن حمده" إذا كان إماماً أو منفرداً، ثم يفعل كما تقدم في الركعة الأولى، ثم ينحط ساجداً كما تقدم من غير رفع اليدين ويكبر عند الانحطاط للسجود، ويقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى" ويدعو بما تيسر كما تقدم، ثم يرفع من السجود قائلاً: "الله أكبر" ويجلس ويقول: "رب اغفر لي" ويطمئن، ويفعل كما تقدم في الركعة الأولى ثم يكبر ويسجد للثانية ويفعل كما تقدم.
التشهد الأول
ثم يرفع فيجلس للتشهد الأول مفترشاً رجله اليسرى ناصباً اليمنى كجلسته بين السجدتين هذا هو الأفضل، وكيفما جلس أجزأه إذا كانت الصلاة رباعية مثل الظهر والعصر والعشاء أو ثلاثية مثل المغرب، فيأتي بالتشهد: "التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" هذا هو الثابت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وإن أتى بغيره مما ثبت في الأحاديث الصحيحة كفى لكن هذا أفضل، لأنه أثبتها وأصحها، ثم بعد هذا يقول: "اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد"، ثم ينهض إلى الثالثة.
وإذا لم يأت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بل نهض بعد الشهادة حين قال: "وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" فلا بأس لأن بعض أهل العلم قالوا: إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا تُستحب هنا وإنما هي مشروعة في التشهد الأخير، ولكن دلت الأحاديث الصحيحة على أنها تشرع هنا وهناك فيأتي بها هنا -أي في التشهد الأول- هذا هو الأصح لعموم الأحاديث لكنها ليست واجبة عليه وإنما تجب في التشهد الأخير عند جمع من أهل العلم.
القيام في الركعة الثالثة والرابعة
فإذا فرغ من التشهد الأول وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو الأفضل ينهض بعده مكبراً قائلاً: "الله أكبر" رافعاً يديه كما ثبت هذا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري رحمه الله حتى يأتي بالثالثة من المغرب وحتى يأتي بالثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء، ويقرأ الفاتحة، وتكفيه الفاتحة بدون زيادة كما ثبت هذا في حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب، وإن قرأ زيادة في الظهر في بعض الأحيان فحسنٌ لما ثبت في حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأوليين من العصر مقدار ما يقرأ في الأخيرتين من الظهر، وهذا يدل على أنه كان يقرأ في الأخيرتين من الظهر زيادة على الفاتحة بعض الأحيان، فإذا قرأ زيادة فلا بأس بل هو حسن في بعض الأحيان وفي غالب الأحيان يقتصر على الفاتحة في الظهر، جمعاً بين حديث أبي سعيد وحديث أبي قتادة، فإذا قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة على الفاتحة في بعض الأحيان فهو حسنٌ عملاً بحديث أبي سعيد، وإذا ترك ذلك في غالب الأحيان فهو أفضل عملاً بحديث أبي قتادة لأنه أصح وأصرح من حديث أبي سعيد، فيفعل هذا تارة وهذا تارة، وأما الثالثة والرابعة من العصر والعشاء والثالثة من المغرب فليس فيهما إلا قراءة الفاتحة فلا يستحب فيها الزيادة على الفاتحة لعدم الدليل على ذلك.
الركوع والرفع منه والسجود في الركعتين الأخيرتين
ثم إذا فرغ من الفاتحة في الثالثة والرابعة من العصر والعشاء والثالثة من المغرب كبَّر راكعاً الركوع الشرعي، ويفعل فيه كما تقدم، ثم يرفع قائلاً: "سمع الله لمن حمده" إذا كان إماماً أو منفرداً، أما إذا كان مأموماً فيقول: "ربنا ولك الحمد" ثم يكمل الإمام والمأموم والمنفرد الذكر الوارد في ذلك كما تقدم، ثم ينحط ساجداً قائلاً: "الله أكبر" ويسجد كما تقدم ثم يجلس بين السجدتين ثم يسجد السجود الثاني كل ذلك كما تقدم، ويفعل في الركعة الرابعة كما فعل في الركعة الثالثة سواء بسواء، وهكذا الثالثة في المغرب سواء بسواء، أما الفجر فليس فيها ثالثة أو رابعة فالفريضة ركعتان، وهكذا الجمعة ركعتان وهكذا العيد ركعتان يقرأ فيهما بالفاتحة وما تيسر معها من القرآن الكريم كما هو معلوم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويتحرى في ذلك ما هو معلوم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
التشهد الأخير
وبهذا تنتهي الصلاة ولا يبقى إلا التشهد، فإذا فرغ من الرابعة في الظهر والعصر والعشاء ومن الثالثة من المغرب والثانية من الفجر والجمعة والعيد ورفع من السجدة الثانية في الركعة الأخيرة فإنه يجلس لقراءة التحيات كما قرأها في التشهد الأول يقرأها هنا فيقول: "التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: "اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد"، هذا هو أكمل ما ورد في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. ومتى أتى بها المصلي على أي وجه من الوجوه الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أجزأه ذلك.
الدعاء بعد التشهد الأخير
وقد شرع الله سبحانه لنا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الصلاة وبعد قراءة التحيات والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، وهذا مشروع للرجال والنساء جميعاً في الفرض والنفل.
ويستحب مع هذا أن يدعو المصلي بما تيسر من الدعاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علَّم الصحابة التشهد قال: "ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به"، وفي لفظ آخر قال: "ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهذه الدعوات: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال"، وقال لمعاذ: "يا معاذ: إني لأحبك، فلا تدعنَّ أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث علي رضي الله عنه أنه كان يقول في آخر الصلاة قبل أن يسلم: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به، مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت"، وثبت أيضاً في صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا ومن عذاب القبر".
فهذه دعوات طيبة يشرع أن تقال في آخر الصلاة بعدما يقرأ التحيات والشهادة والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا يستحب الدعاء الوارد في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في الصحيحين أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال قل: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" وإن دعا بغير ذلك من الدعوات الطيبة فلا بأس.
المرأة كالرجل في الصلاة
وينبغي أن يعلم أن المرأة كالرجل في هذه الأشياء كلها لعموم الأحاديث.
التسليم
فإذا فرغ المصلي من الدعاء يسلم، الرجل والمرأة سواء فيقول: "السلام عليكم ورحمة الله" عن يمينه، و"السلام عليكم ورحمة الله" عن يساره، هكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يستوي فيه الرجل والمرأة والفرض والنفل جميعاً.
الأذكار التي تقال بعد الصلاة
ثم بعدما يسلم يقول: "استغفر الله" (ثلاثاً)، "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام". يقول ذلك الرجل والمرأة فيستغفر الله ثلاثاً، ويقول: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام" ثم ينصرف الإمام إلى الناس بعد هذا ويعطي الناس وجهه ويقول بعد هذا: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، وهكذا المأمومون من الرجال والنساء يقولون كما يقول الإمام: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير"، فتارة يقول: "يحيي ويميت بيده الخير"، وتارة لا يقول ذلك، والأمر واسع بحمد الله، فيقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، وتارة يزيد: "يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد".
كل هذا مستحب بعد كل صلاة من الصلوات الخمس للرجال والنساء، ثم يشرع بعد ذلك أن يقول: "سبحان الله" و"الحمد لله" و"الله أكبر" (ثلاثاً وثلاثين مرة)، يعقد أصابعه ثلاثاً وثلاثين مرة الرجل والمرأة فيكون الجميع تسعاً وتسعين، ثلاثاً وثلاثين تسبيحة وثلاثاً وثلاثين تحميدة وثلاثاً وثلاثين تكبيرة، ثم يقول تمام المائة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قالها غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر"، فهذا فضل عظيم وخير كثير، والمعنى: إذا قال هذا مع التوبة والندم والإقلاع لا مجرد الكلام فقط بل يقول هذا مع الاستغفار والندم والتوبة وعدم الإصرار على المعاصي والذنوب عندها يرجى له هذا الخير العظيم حتى في الكبائر، إذا قال هذا عن إيمان وعن صدق وعن توبة صادقة وعن ندم على الذنوب فإن الله يغفر له صغائرها وكبائرها بتوبته وصدقه وإخلاصه.
ويقرأ بعد ذلك آية الكرسي: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} فهذه الآية يقرأها الرجل والمرأة بعد الفريضة، جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قالها بعد كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت"، والحديث في ذلك له طرق كثيرة تدل على صحته وثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية عظيمة وهي أعظم وأفضل آية في كتاب الله سبحانه، ويستحب أن تقال بعد السلام وبعد هذا الذكر، ويستحب أن تقال أيضاً عند النوم وهي من أسباب حفظ الله للعبد من الشيطان ومن كل سوء كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي من أسباب دخول الجنة إذا قالها بعد كل صلاة فريضة كما تقدم.
كذلك يستحب له بعد هذا أن يقرأ: {قل هو الله أحد}، والمعوذتين، الإمام والمنفرد والمأموم بينه وبين نفسه، {قل هو الله أحد}، {قل أعوذ برب الفلق}، {قل أعوذ برب الناس}، مرة واحدة بعد الظهر والعصر والعشاء، أما بعد المغرب والفجر فيقولها ثلاثاً، يقرأ هذه السور الثلاث ثلاثاً، {قل هو الله أحد} ثلاثاً، {قل أعوذ برب الفلق} ثلاثاً، {قل أعوذ برب الناس} ثلاثاً بعد الفجر والمغرب.
ويستحب أيضاً بعد الفجر والمغرب أن يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير" (عشر مرات زيادة على الذكر المشروع السابق بعد الفجر والمغرب)، جاء في ذلك عدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله جل وعلا هو المسئول أن يوفقنا جميعاً للتأسي به صلى الله عليه وسلم والمحافظة على سنته والاستقامة على دينه حتى نلقاه سبحانه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - المجلد الحادي عشر.
الإجابة: كيفيتها أن يبدأها بالتكبير في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، يقول: "الله أكبر" -الرجل والمرأة- ثم يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا الله غيرك"، هذا هو أخصر ما ورد في الاستفتاحات، أو يقول: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد"، وهذا أصح شيء ورد في الاستفتاح، فإن فعل هذا أو هذا فكله صحيح، وهناك استفتاحات أخرى ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بشيء منها صح ولكن هذان الاستفتاحان من أخصرها، فإذا أتى الرجل أو المرأة بواحد منهما كفى، وهذا الاستفتاح مستحب وليس بواجب، فلو شرع في القراءة حالا بعد التكبير أجزأ ولكن كونه يأتي بالاستفتاح أفضل تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
ثم يقول الرجل أو المرأة بعد دعاء الاستفتاح: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم"، ثم يقرأ الفاتحة، وهي: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، ثم يقول: "آمين"، وآمين ليست من الفاتحة وهي مستحبة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها بعد الفاتحة في الجهرية، والسرية يقول آمين ومعناها اللهم استجب.
ثم يقرأ ما تيسر من القرآن الكريم بعد الفاتحة في الأولى والثانية من الظهر، والأولى والثانية من العصر، والأولى والثانية من المغرب، والأولى والثانية من العشاء، وفي الثنتين كلتيهما من الفجر، يقرأ الفاتحة وبعدها سورة أو آيات، والأفضل في الظهر أن يكون من أوساط المفصل مثل: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}، ومثل: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، ومثل: {عَبَسَ وَتَوَلَّى}، ومثل: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، ومثل: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ}، وما أشبه ذلك.
وفي العصر مثل ذلك لكن تكون أخف من الظهر قليلاً، وفي المغرب كذلك يقرأ بعد الفاتحة ما تيسر من هذه السور أو أقصر منها، وإن قرأ في بعض الأحيان بأطول في المغرب فهو أفضل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب في بعض الأحيان بالطور وقرأ فيها بالمرسلات، وقرأ فيها في بعض الأحيان بسورة الأعراف قسمها في الركعتين، ولكنه في الأغلب يقرأ فيها من قصار المفصل مثل: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}، أو {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ}، أو {إِذَا زُلْزِلَتِ}، أو القارعة أو العاديات ولا بأس في ذلك، ولكن في بعض الأحيان يقرأ أطول كما تقدم.
وفي العشاء يقرأ مثلما قرأ في الظهر والعصر، يقرأ الفاتحة وزيادة معها في الأولى والثانية مثل: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ}، و {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ}، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}، و {عَبَسَ وَتَوَلَّى}، و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، وما أشبه ذلك أو آيات بمقدار ذلك في الأولى والثانية، وهكذا في الفجر يقرأ بعد الفاتحة زيادة ولكنها أطول من الماضيات ففي الفجر تكون القراءة أطول من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويقرأ في الفجر مثل: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}، و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}، أو أقل من ذلك مثل التغابن والصف و {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}، و {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}، وما أشبه ذلك، ففي الفجر تكون القراءة أطول من الظهر والعصر والمغرب والعشاء اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولو قرأ في بعض الأحيان أقل أو أطول من ذلك فلا حرج عليه، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في بعض الأحيان بأقل من ذلك ولكن كونه يقرأ في الفجر في الغالب بالطوال فهذا أفضل تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما في الثالثة والرابعة من الظهر والعصر والثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من العشاء فيقرأ فيها بالفاتحة ثم يكبر للركوع، لكن ورد في الظهر ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان قد يقرأ زيادة على الفاتحة في الثالثة والرابعة فإذا قرأ في بعض الأحيان في الظهر في الثالثة والرابعة زيادة على الفاتحة مما تيسر من القرآن الكريم فهو حسنٌ تأسياً به صلى الله عليه وسلم، فهذه صفة القراءة في الصلاة.
الركوع
ثم يركع قائلاً: "الله أكبر" ويعتدل في الركوع ويطمئن ولا يعجل، ويجعل يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويسوي رأسه بظهره ويقول: "سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الركوع فعظموا فيه الرب"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الركوع: "سبحان ربي العظيم"، قالت عائشة رضي الله عنها: "كان يكثر أن يقول في الركوع والسجود: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"، وهذا كله مستحب، والواجب: "سبحان ربي العظيم" مرة واحدة، وإن كررها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر كان أفضل، وجاء أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الركوع: "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، سبوح قدوس رب الملائكة والروح" فإذا قال مثل هذا فحسن اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
الرفع من الركوع:
ثم يرفع من الركوع قائلاً: "سمع الله لمن حمده" إذا كان إماماً أو منفرداً، ويرفع يديه مثلما فعل عند الركوع حيال منكبيه أو حيال أذنيه عند قوله: "سمع الله لمن حمده"، ثم بعد انتصابه واعتداله يقول: "ربنا ولك الحمد" أو "اللهم ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد"، فهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وقوله، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم شخصاً سمعه يقول: "حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه" فأقره على ذلك صلى الله عليه وسلم وقال أنه رأى كذا وكذا من الملائكة كلهم يبادر ليكتبها ويرفعها، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة، وإن زاد على هذا فقال: "أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد"، فذلك حسن، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوله في بعض الأحيان، ومعنى: "لا ينفع ذا الجد" يعني: ولا ينفع ذا الغنى منك غناه، فالجميع فقراء إلى الله سبحانه وتعالى، والجد هو الحظ والغنى.
وأما إذا كان مأموماً فإنه يقول: "ربنا ولك الحمد" عند الرفع من الركوع، ويرفع يديه أيضاً حيال منكبيه أو حيال أذنيه عند الرفع قائلاً: "ربنا ولك الحمد" أو "ربنا لك الحمد" أو "اللهم ربنا لك الحمد" أو "اللهم ربنا ولك الحمد"، كل هذا مشروع للإمام والمأموم والمنفرد جميعاً، لكن الإمام يقول سمع الله لمن حمده أولاً وهكذا المنفرد، ثم يأتي بالحمد بعد ذلك، أما المأموم فإنه يقولها بعد انتهائه من الركوع يقول عند رفعه: "ربنا ولك الحمد" ولا يأتي بالتسميع أي لا يقول: "سمع الله لمن حمده" على الصحيح المختار الذي دلت عليه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والواجب الاعتدال في هذا الركن ولا يعجل، فإذا رفع واعتدل واطمأن قائماً وضع يديه على صدره هذا هو الأفضل، وقال بعض أهل العلم يرسلهما، ولكن الصواب أن يضعهما على صدره فيضع كف اليمنى على كف اليسرى على صدره كما فعل قبل الركوع وهو قائم، هذه هي السنة لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان قائماً في الصلاة وضع كفه اليمنى على كفه اليسرى في الصلاة على صدره، ثبت هذا من حديث وائل بن حجر وثبت هذا أيضاً من حديث قبيصة الطائي عن أبيه، وثبت مرسلاً من حديث طاووس عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو الأفضل وهذه هي السنة، فإن أرسل يديه في صلاته فلا حرج وصلاته صحيحة لكنه ترك السنة، ولا ينبغي لمؤمن أو مؤمنة المشاقة في هذا أو المنازعة، بل ينبغي لطالب العلم أن يعلم السنة لإخوانه من دون أن يشنع على من أرسل، ولا يكون بينه وبين غيره ممن أرسل العداوة والشحناء لأنها سنة نافلة فلا ينبغي من الإخوان لا في أفريقيا ولا في غيرها النزاع في هذا والشحناء بل يكون التعليم بالرفق والحكمة والمحبة لأخيه كما يحب لنفسه، فهذا هو الذي ينبغي في هذه الأمور، وجاء في صحيح البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كان الرجل يؤمر أن يجعل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.
قال أبو حازم الراوي عن سهل: لا أعلمه إلا يروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن المصلي إذا كان قائماً يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى، والمعنى على كفه والرسغ والساعد لأن هذا هو الجمع بينه وبين رواية وائل بن حجر فإذا وضع كفه على الرسغ والساعد فقد وضعت على الذراع لأن الساعد من الذراع، فيضع كفه اليمنى على كفه اليسرى وعلى الرسغ والساعد كما جاء مصرحاً في حديث وائل المذكور، وهذا يشمل القيام قبل الركوع والقيام بعد الركوع، وهذا الاعتدال بعد الركوع من أركان الصلاة فلا بد منه، وبعض الناس قد يعجل من حين أن يرفع ينزل ساجداً وهذا لا يجوز، فالواجب على المصلي أن يعتدل بعد الركوع ويطمئن ولا يعجل، قال أنس رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وقف بعد الركوع يعتدل ويقف طويلاً حتى يقول القائل: "قد نسي" وهكذا بين السجدتين، فالواجب على المصلي في الفريضة والنافلة ألا يعجل بل يطمئن بعد الركوع ويأتي بالذكر المشروع، وهكذا بين السجدتين لا يعجل بل يطمئن ويعتدل كما يأتي ويقول بينهما: "رب اغفر لي، رب اغفر لي" كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم.
السجود الأول:
ثم بعد هذا الحمد والثناء والاعتدال والطمأنينة بعد الركوع ينحط ساجداً قائلاً: "الله أكبر" من دون رفع اليدين، لأن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدم الرفع في هذا المقام، فيسجد على أعضائه السبعة جبهته وأنفه هذا عضو وكفيه وعلى ركبتيه وعلى أصابع رجليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة -وأشار بيده على أنفه- واليدين والركبتين وأطراف القدمين"، هذا هو المشروع وهو الواجب على الرجال والنساء جميعاً أن يسجدوا على هذه الأعضاء السبعة: الجبهة والأنف هذا عضو، واليدين ويمد أطراف أصابعه إلى القبلة ضاماً بعضهما إلى بعض، والركبتين وأطراف القدمين يعني على أصابع القدمين باسطاً الأصابع على الأرض معتمداً عليها وأطرافها إلى القبلة، هكذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، والأفضل أن يقدم ركبتيه قبل يديه عند انحطاطه للسجود هذا هو الأفضل.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقدم يديه ولكن الأرجح أن يقدم ركبتيه ثم يديه، لأن هذا ثبت من حديث وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه" فأشكل هذا على كثير من أهل العلم، فقال بعضهم: يضع يديه قبل ركبتيه، وقال آخرون: بل يضع ركبتيه قبل يديه، وهذا هو الذي يخالف بروك البعير لأن بروك البعير يبدأ بيديه فإذا برك المؤمن على ركبتيه فقد خالف البعير وهذا هو الموافق لحديث وائل بن حجر وهذا هو الصواب، أن يسجد على ركبتيه أولاً ثم يضع يديه على الأرض، ثم يضع جبهته أيضاً على الأرض هذا هو المشروع، فإذا رفع رفع وجهه أولاً ثم يديه ثم ينهض هذا هو المشروع الذي جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الجمع بين الحديثين، وأما قوله في حديث أبي هريرة: "وليضع يديه قبل ركبتيه" فالظاهر والله أعلم أنه انقلاب كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله، إنما الصواب أن يضع ركبتيه قبل يديه حتى يوافق آخر الحديث أوله وحتى يتفق مع حديث وائل بن حجر وما جاء في معناه.
وفي هذا السجود يقول: "سبحان ربي الأعلى: ويكررها ثلاثاً أو خمسا أو أكثر من ذلك، ولكن إذا كان إماماً فإنه يراعي المأمومين حتى لا يشق عليهم، أما المنفرد فلا يضره لو أطال بعض الشيء، وكذلك المأموم تابع لإمامه يسبح ويدعو ربه في السجود حتى يرفع إمامه.
والسنة للإمام والمأموم والمنفرد الدعاء في السجود، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" أي حري أن يستجاب لكم، وجاء في الحديث الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً"، فالقرآن لا يُقرأ لا في الركوع ولا في السجود، إنما القراءة في حال القيام في حق من قدر، وفي حال القعود في حق من عجز عن القيام يقرأ وهو قاعد، أما الركوع والسجود فليس فيهما قراءة وإنما فيهما تسبيح للرب وتعظيمه، وفي السجود زيادة على ذلك وهو الدعاء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في سجوده فيقول: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره" فيدعو بهذا الدعاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو به كما رواه مسلم في صحيحه، وثبت في صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء"، وهذا يدلنا على شرعية كثرة الدعاء في السجود من الإمام والمأموم والمنفرد ويدعو كل منهم في سجوده مع التسبيح أي مع قوله: "سبحان ربي الأعلى"، ومع قوله: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"؛ لما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها عند الشيخين البخاري ومسلم رحمة الله عليهما قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي.
ويشرع في السجود مع العناية بالدعاء بالمهمات في أمر الدنيا والآخرة، ولا حرج أن يدعو لدنياه كأن يقول: "اللهم ارزقني زوجة صالحة" أو تقول المرأة: "اللهم ارزقني زوجاً صالحاً" أو "ذرية طيبة" أو "مالاً حلالاً" أو ما أشبه ذلك من حاجات الدنيا، ويدعو بما يتعلق بالآخرة وهو الأكثر والأهم كأن يقول: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره، اللهم أصلح قلبي وعملي، وارزقني الفقه في دينك، اللهم إني أسألك الهدى والسداد، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار"، وما أشبه هذا الدعاء، ويكثر في سجوده من الدعاء ولكن بغير إطالة تشق على المأمومين، فيراعيهم إذا كان إماماً ويقول مع ذلك في سجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"، كما تقدم مرتين أو ثلاثاً كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام.
الجلوس بين السجدتين:
ثم يرفع من السجدة قائلاً: "الله أكبر" ويجلس مفترشاً يسراه ناصباً يمناه، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى أو على الركبة باسط الأصابع على ركبته، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى أو على ركبته اليسرى ويبسط أصابعه عليها، هكذا السنة ويقول: "رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي"، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقوله، ويستحب أن يقول مع هذا: "اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني"، لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، وإذا قال زيادة فلا بأس، كان يقول: "اللهم اغفر لي ولوالدي، اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار، اللهم أصلح قلبي وعملي" ونحو ذلك، ولكن يكثر من الدعاء بالمغفرة فيما بين السجدتين كما ورد عن النبي.
السجود الثاني
ثم بعد ذلك يسجد السجدة الثانية قائلاً: "الله أكبر"، ويسجد على جبهته وأنفه وعلى كفيه وعلى ركبتيه وعلى أطراف القدمين كما فعل في السجدة الأولى، ويعتدل في سجوده فيرفع بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ويجافي عضديه عن جنبيه، ويعتدل في السجود، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب"، وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك" فالسنة أنه يعتدل واضعاً كفيه على الأرض رافعاً ذراعيه عنها ولا يبسطها كالكلب والذئب ونحو ذلك، بل يرفعهما ويرفع بطنه عن فخذيه ويرفع فخذيه عن ساقيه حتى يعتدل في السجود وحتى يكون مرتفعاً معتدلاً واضعاً كفيه على الأرض رافعاً ذراعيه عن الأرض كما أمر بهذا النبي صلى الله عليه وسلم، وكما فعل عليه الصلاة والسلام، ثم يقول في سجوده: "سبحان ربي" الأعلى ويكرر ذلك ثلاثاً أو أكثر، ويدعو كما تقدم في السجود الأول.
جلسة الاستراحة
ثم يكبر رافعاً وناهضاً إلى الركعة الثانية، والأفضل للمصلي أن يجلس جلسة خفيفة بعد السجود الثاني، يسميها بعض الفقهاء جلسة الاستراحة يجلس على رجله اليسرى مفروشة وينصب اليمنى مثل حاله بين السجدتين ولكنها خفيفة ليس فيها ذكر ولا دعاء، هذا هو الأفضل، وإن قام ولم يجلس فلا حرج، لكن الأفضل أن يجلسها كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال بعض أهل العلم إن هذا يفعل عند كبر السن وعند المرض، ولكن الصحيح أنها سنة من سنن الصلاة مطلقة للإمام والمنفرد والمأموم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، ولو كان المصلي شاباً أو صحيحاً فهي مستحبة على الصحيح ولكنها غير واجبة، لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تركها في بعض الأحيان، ولأن بعض الصحابة لم يذكرها في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على عدم الوجوب.
ثم ينهض إلى الركعة الثانية مكبراً قائلاً: "الله أكبر" من حين يرفع من سجوده جالساً جلسة الاستراحة أو حين يفرغ من جلسة الاستراحة ينهض ويقول: "الله أكبر"، فإن بدأ بالتكبير ثم جلس نبَّه الجماعة على أن لا يسبقوه حتى يجلسوها ويأتوا بهذه السنة، وإن جلس قبل أن يكبر ثم رفع بالتكبير فلا بأس، المهم أن هذه جلسة مستحبة وليست واجبة، فإذا أتى بالتكبير قبلها وجَّه المأمومين حتى لا يسبقوه وإن جلس أولاً ثم رفع بالتكبير فلا حاجة إلى التنبيه إلى ذلك إلا من باب تعليم السنة.
القيام والقراءة في الركعة الثانية
ثم بعد أن يقوم للثانية يفعل فيها كما فعل في الأولى، ويقرأ الفاتحة ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسمي الله، وإن ترك التعوذ واكتفى بالتعوذ الأول في الركعة الأولى فلا بأس وإن أعاده فهذا أفضل، لأنه مع قراءة جديدة فيتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسمي الله ويقرأ الفاتحة ثم يقرأ معها سورة أو آيات كما فعل في الركعة الأولى، لكن تكون السورة في الركعة الثانية أقصر من الأولى كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه.
الركوع الثاني
فإذا فرغ من القراءة كبر للركوع كما فعل في الركعة الأولى فيكبر رافعاً يديه قائلاً: "الله أكبر" ثم يضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع كما فعل في الركعة الأولى ويكون مستوياً ورأسه حيال ظهره، هكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: "سبحان ربي العظيم" ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك، ولكن بشرط ألا يشقَّ على المأمومين إذا كان إماماً، ويستحب أن يقول مع ذلك: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"، كما تقدم وإن قال: "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة" فحسن أيضاً، وهكذا: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح"، كل هذا حسن فعله النبي صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود.
القيام بعد الركوع الثاني
ثم بعد ما يأتي بالأذكار المشروعة في الركوع ينهض رافعاً يديه قائلاً: "سمع الله لمن حمده" إذا كان إماماً أو منفرداً، ثم يفعل كما تقدم في الركعة الأولى، ثم ينحط ساجداً كما تقدم من غير رفع اليدين ويكبر عند الانحطاط للسجود، ويقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى" ويدعو بما تيسر كما تقدم، ثم يرفع من السجود قائلاً: "الله أكبر" ويجلس ويقول: "رب اغفر لي" ويطمئن، ويفعل كما تقدم في الركعة الأولى ثم يكبر ويسجد للثانية ويفعل كما تقدم.
التشهد الأول
ثم يرفع فيجلس للتشهد الأول مفترشاً رجله اليسرى ناصباً اليمنى كجلسته بين السجدتين هذا هو الأفضل، وكيفما جلس أجزأه إذا كانت الصلاة رباعية مثل الظهر والعصر والعشاء أو ثلاثية مثل المغرب، فيأتي بالتشهد: "التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" هذا هو الثابت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وإن أتى بغيره مما ثبت في الأحاديث الصحيحة كفى لكن هذا أفضل، لأنه أثبتها وأصحها، ثم بعد هذا يقول: "اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد"، ثم ينهض إلى الثالثة.
وإذا لم يأت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بل نهض بعد الشهادة حين قال: "وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" فلا بأس لأن بعض أهل العلم قالوا: إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا تُستحب هنا وإنما هي مشروعة في التشهد الأخير، ولكن دلت الأحاديث الصحيحة على أنها تشرع هنا وهناك فيأتي بها هنا -أي في التشهد الأول- هذا هو الأصح لعموم الأحاديث لكنها ليست واجبة عليه وإنما تجب في التشهد الأخير عند جمع من أهل العلم.
القيام في الركعة الثالثة والرابعة
فإذا فرغ من التشهد الأول وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو الأفضل ينهض بعده مكبراً قائلاً: "الله أكبر" رافعاً يديه كما ثبت هذا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري رحمه الله حتى يأتي بالثالثة من المغرب وحتى يأتي بالثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء، ويقرأ الفاتحة، وتكفيه الفاتحة بدون زيادة كما ثبت هذا في حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب، وإن قرأ زيادة في الظهر في بعض الأحيان فحسنٌ لما ثبت في حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأوليين من العصر مقدار ما يقرأ في الأخيرتين من الظهر، وهذا يدل على أنه كان يقرأ في الأخيرتين من الظهر زيادة على الفاتحة بعض الأحيان، فإذا قرأ زيادة فلا بأس بل هو حسن في بعض الأحيان وفي غالب الأحيان يقتصر على الفاتحة في الظهر، جمعاً بين حديث أبي سعيد وحديث أبي قتادة، فإذا قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة على الفاتحة في بعض الأحيان فهو حسنٌ عملاً بحديث أبي سعيد، وإذا ترك ذلك في غالب الأحيان فهو أفضل عملاً بحديث أبي قتادة لأنه أصح وأصرح من حديث أبي سعيد، فيفعل هذا تارة وهذا تارة، وأما الثالثة والرابعة من العصر والعشاء والثالثة من المغرب فليس فيهما إلا قراءة الفاتحة فلا يستحب فيها الزيادة على الفاتحة لعدم الدليل على ذلك.
الركوع والرفع منه والسجود في الركعتين الأخيرتين
ثم إذا فرغ من الفاتحة في الثالثة والرابعة من العصر والعشاء والثالثة من المغرب كبَّر راكعاً الركوع الشرعي، ويفعل فيه كما تقدم، ثم يرفع قائلاً: "سمع الله لمن حمده" إذا كان إماماً أو منفرداً، أما إذا كان مأموماً فيقول: "ربنا ولك الحمد" ثم يكمل الإمام والمأموم والمنفرد الذكر الوارد في ذلك كما تقدم، ثم ينحط ساجداً قائلاً: "الله أكبر" ويسجد كما تقدم ثم يجلس بين السجدتين ثم يسجد السجود الثاني كل ذلك كما تقدم، ويفعل في الركعة الرابعة كما فعل في الركعة الثالثة سواء بسواء، وهكذا الثالثة في المغرب سواء بسواء، أما الفجر فليس فيها ثالثة أو رابعة فالفريضة ركعتان، وهكذا الجمعة ركعتان وهكذا العيد ركعتان يقرأ فيهما بالفاتحة وما تيسر معها من القرآن الكريم كما هو معلوم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويتحرى في ذلك ما هو معلوم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
التشهد الأخير
وبهذا تنتهي الصلاة ولا يبقى إلا التشهد، فإذا فرغ من الرابعة في الظهر والعصر والعشاء ومن الثالثة من المغرب والثانية من الفجر والجمعة والعيد ورفع من السجدة الثانية في الركعة الأخيرة فإنه يجلس لقراءة التحيات كما قرأها في التشهد الأول يقرأها هنا فيقول: "التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: "اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد"، هذا هو أكمل ما ورد في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. ومتى أتى بها المصلي على أي وجه من الوجوه الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أجزأه ذلك.
الدعاء بعد التشهد الأخير
وقد شرع الله سبحانه لنا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الصلاة وبعد قراءة التحيات والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، وهذا مشروع للرجال والنساء جميعاً في الفرض والنفل.
ويستحب مع هذا أن يدعو المصلي بما تيسر من الدعاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علَّم الصحابة التشهد قال: "ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به"، وفي لفظ آخر قال: "ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهذه الدعوات: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال"، وقال لمعاذ: "يا معاذ: إني لأحبك، فلا تدعنَّ أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث علي رضي الله عنه أنه كان يقول في آخر الصلاة قبل أن يسلم: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به، مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت"، وثبت أيضاً في صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا ومن عذاب القبر".
فهذه دعوات طيبة يشرع أن تقال في آخر الصلاة بعدما يقرأ التحيات والشهادة والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا يستحب الدعاء الوارد في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في الصحيحين أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال قل: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" وإن دعا بغير ذلك من الدعوات الطيبة فلا بأس.
المرأة كالرجل في الصلاة
وينبغي أن يعلم أن المرأة كالرجل في هذه الأشياء كلها لعموم الأحاديث.
التسليم
فإذا فرغ المصلي من الدعاء يسلم، الرجل والمرأة سواء فيقول: "السلام عليكم ورحمة الله" عن يمينه، و"السلام عليكم ورحمة الله" عن يساره، هكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يستوي فيه الرجل والمرأة والفرض والنفل جميعاً.
الأذكار التي تقال بعد الصلاة
ثم بعدما يسلم يقول: "استغفر الله" (ثلاثاً)، "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام". يقول ذلك الرجل والمرأة فيستغفر الله ثلاثاً، ويقول: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام" ثم ينصرف الإمام إلى الناس بعد هذا ويعطي الناس وجهه ويقول بعد هذا: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، وهكذا المأمومون من الرجال والنساء يقولون كما يقول الإمام: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير"، فتارة يقول: "يحيي ويميت بيده الخير"، وتارة لا يقول ذلك، والأمر واسع بحمد الله، فيقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، وتارة يزيد: "يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد".
كل هذا مستحب بعد كل صلاة من الصلوات الخمس للرجال والنساء، ثم يشرع بعد ذلك أن يقول: "سبحان الله" و"الحمد لله" و"الله أكبر" (ثلاثاً وثلاثين مرة)، يعقد أصابعه ثلاثاً وثلاثين مرة الرجل والمرأة فيكون الجميع تسعاً وتسعين، ثلاثاً وثلاثين تسبيحة وثلاثاً وثلاثين تحميدة وثلاثاً وثلاثين تكبيرة، ثم يقول تمام المائة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قالها غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر"، فهذا فضل عظيم وخير كثير، والمعنى: إذا قال هذا مع التوبة والندم والإقلاع لا مجرد الكلام فقط بل يقول هذا مع الاستغفار والندم والتوبة وعدم الإصرار على المعاصي والذنوب عندها يرجى له هذا الخير العظيم حتى في الكبائر، إذا قال هذا عن إيمان وعن صدق وعن توبة صادقة وعن ندم على الذنوب فإن الله يغفر له صغائرها وكبائرها بتوبته وصدقه وإخلاصه.
ويقرأ بعد ذلك آية الكرسي: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} فهذه الآية يقرأها الرجل والمرأة بعد الفريضة، جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قالها بعد كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت"، والحديث في ذلك له طرق كثيرة تدل على صحته وثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية عظيمة وهي أعظم وأفضل آية في كتاب الله سبحانه، ويستحب أن تقال بعد السلام وبعد هذا الذكر، ويستحب أن تقال أيضاً عند النوم وهي من أسباب حفظ الله للعبد من الشيطان ومن كل سوء كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي من أسباب دخول الجنة إذا قالها بعد كل صلاة فريضة كما تقدم.
كذلك يستحب له بعد هذا أن يقرأ: {قل هو الله أحد}، والمعوذتين، الإمام والمنفرد والمأموم بينه وبين نفسه، {قل هو الله أحد}، {قل أعوذ برب الفلق}، {قل أعوذ برب الناس}، مرة واحدة بعد الظهر والعصر والعشاء، أما بعد المغرب والفجر فيقولها ثلاثاً، يقرأ هذه السور الثلاث ثلاثاً، {قل هو الله أحد} ثلاثاً، {قل أعوذ برب الفلق} ثلاثاً، {قل أعوذ برب الناس} ثلاثاً بعد الفجر والمغرب.
ويستحب أيضاً بعد الفجر والمغرب أن يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير" (عشر مرات زيادة على الذكر المشروع السابق بعد الفجر والمغرب)، جاء في ذلك عدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله جل وعلا هو المسئول أن يوفقنا جميعاً للتأسي به صلى الله عليه وسلم والمحافظة على سنته والاستقامة على دينه حتى نلقاه سبحانه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - المجلد الحادي عشر.