بسم الله الرحمن الرحيم
إن الله - عز وجل - قد نبَّأنا من أخبار يهود ما يفضح مكايدَهم، ويكشف طبائعهم، ويجْلِي سَوْءاتهم، فقد أخبر عنهم ربُّهم -وهو أعلم بهم- بأنهم أهل مكْر وخديعة، وكِبْر واستكبار، وضلال وإضلال، وصدٍّ عن سبيل الله، يُثيرون الفتَن، ويوقدون الحروب، كتموا الحقَّ، وقتلوا الأنبياء، وسبُّوا الله، وعادَوا الملائكة. ينقضون العهود، ويخونون المواثيق، ولا تزال تطلع على خائنةٍ منهم، هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، ولذا حذَّرَنا ربُّنا من الركون إليهم أو السَّعي وراء خطواتهم.وحتى لا نقعَ في حبائلهم، ونؤتَى مِن غفلتنا، لا بُدَّ من الوقوف على مُخططاتهم ومكرهم الكبّار تجاه قضايا المسلمين؛ إذ إن استبانة سُبُل المجرمين منهجٌ رباني مُقرَّرٌ في كتاب ربنا تعالى؛ (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)[الأنعام: 55].
نقف -إخوة الإيمان- مع قضية مُسَلَّمةٍ في ديانة اليهود، لا تَقْبل النِّقاش ولا التفاوض ولا المُساومة، عقيدةٍ متأصِّلة في نفوسهم، غائرةٍ في صدورهم، عقيدة ما جاؤوا إلى فِلَسطين واحْتلوا أرضها إلا من أجْلها، عقيدة تنسِفُ كل أحلام السلام والتعايُش السِّلْمي المزْعوم المكذوب. عقيدة يسعى اليهود نحوها سَعْيًا حثيثًا، ونسأل الله ألا نراها، وأن يرحَمَنا بميتةٍ تكون بُطُون الأرضِ خيرًا لنا من أن نرى تحقُّق هذه العقيدة اليهودية.
إنها عقيدة اليهود في هدْم المسْجد الأقصى، وبناء الهيكل على أنقاضِه.
إخوة الإيمان والعَقِيدة:
الهيكل: كلمةٌ تعني "البيت الكبير"، ثم أطلقتْ هذه الكلمة على كلِّ مكان يُتَّخذ للعبادة. والهيكل في عقيدة يهود بمعنى: البيت المقَدَّس، أو بيت الرب أو الإله.وتذْكُر الحقائق والوثائق التاريخيَّة أن نبي الله سليمان بنى المسجد الأقصى بعد إبراهيم - عليه السلام - على هيئةٍ عظيمةٍ، فنُسِب هذا البناء إليه، وأطلق اليهود عليه هيكل سليمان، ويزعم اليهود أن سليمان - عليه السلام - بناه فوق جبل موريا، وهو جبل بيت المقدس، الذي يوجد عليه الآن المسجد الأقصى، ومسجد قُبة الصَّخْرة، ويُسمِّي اليهودُ هذا الجبل بـ: جبل الهيكل.
استمر بناء سليمان - عليه السلام - أكثر من ثلاثة قرون حتى هُدِم على يد بُختنصَّر البابلي، وبقي البيتُ المقدَّس خرابًا عقودًا من الزمن، ثم أُعيد بناؤُه، وأمَّهُ الأنبياء والصالحون، فصلَّى فيه زكريا وابنه يحيى، ثم بعدهما عيسى بن مريم -صلوات الله وسلامه عليهم.
ونحن المسلمين أحقُّ بسليمان من اليهود الذين لَم يعترفوا بنبُوتِه، وإنما سموه ملِكًا، وسليمان - عليه السلام - بنى المسجد لعبادة الله وتوحيده وتعظيمه، فأين هذا من شِرْك اليهود، وسبِّهم لربِّه، وقتلهم لإخوانه الأنبياء؟! فسليمان - عليه السلام - بريءٌ من اليهود وجُرْمِهم وبُهْتانهم، وإن انتسبوا إليه وتَمَسّحُوا بإتباعه.
عباد الله:
إن اليهود ما جاؤوا إلى فِلَسْطين من أجل البحث عن أرض يستوطنوها، وبلدٍ يؤون إليه، وإنما جاؤوا لعقيدةٍ صِهْيونيَّة، ونبوءة توراتية يسْعَوْن لتحقيقها، وهي السيطرة على القدس، والتي أسموها: أرض الميعاد.ومن ثَم هدْم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم، وبعد هذا البناء ينتظرون خروج مسيحهم المنتظر، والذي على يديه سيكون خَلاص اليهود، ويحكم منه العالَم ألف سنة، وسيُحارب هذا المسيحُ أعداء السامية، ويحكم فيهم بالشريعة اليهوديَّة، وهذا الاعتقاد في الهَيْكل يؤمن به جميعُ الصهاينة على اختلاف أحْزابهم.
يقول ابن جوريون -أول رئيس وزراء لدولة يهود-: "لا قيمة لإسرائيل بدون القُدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل".
ويقول الحاخام الهالك مائير كاهانا في صفاقةٍ وتبجُّح وجُرأة على الجبَّار -جل جلالُه-: "إن إزالة المسجد الأقصى وقبة الصخرة واجبٌ يقتضيه الدِّين اليهودي، وإن المعركة دينيَّة، ولكل شعبٍ إلهٌ يَحْمِيه، وإذا استطاع اللهُ أن يحميَ مساجده فليفعل في مُواجهة التصميم اليهودي على إعادة بناء هيكل سليمان محل المساجد الإسلامية".
فأرضُ الميعاد انتزعها اليهود بالدم والدمع -كما يقولون- وهي أرضٌ تقبل الزيادة ولا تقبل التجْزئة، وفي تَلْمُودهم المقدَّس: القدس سَتَتَوَسَّع في آخر الزمان حتى تصل إلى دمشق. وحينما اجتاح الجيش اليهودي القدس الشرقية، وأخذوها من المسلمين، وقَفَ وزيرُ الدفاع اليهودي موشي ديان أمام حائط البُراق وقال: "لقد أعدْنا توحيد المدينة المقَدَّسة، وعُدنا إلى أكثر أماكننا قَدَاسة، ولن نُغادرها أبدًا".
إخوة الإسلام:
ومِن عقائد اليهود في الهيكل: أنَّ الهَيْكل لن يكونَ إلا بعد خُرُوج البقرة الحمراء، فيعتقدون أنه لا بُدَّ أن تولدَ بقرةٌ حمراء خالصة لا عَيْب فيها، ثُم بعد ثلاثة أعوام من عُمرها تُحرَق حتى إذا كانتْ رمادًا تطهَّر اليهودُ برَمَادها، ثُمَّ شرعوا في بناء الهيكل؛ لأنَّ الهيكل في زعْمهم لا يعمره بالعبادة إلا أناس متطهِّرون. ومِنْ طقوسهم في الهيكل: أن اليهود يصومون يومًا مُعَينًا في السنة، ويقولون: هذا اليوم هو اليوم الذي هُدِم فيه الهيكل. وإذا كان هناك زواجٌ يأتون بكأس فيكسرونه أمام الزوجَيْن، ويقولون: اذكروا تكسير الهيكل، كل ذلك لربط أبنائِهم بقُدسية الهيْكل وتعْظِيمه.إخوة الإيمان:
ليستْ قضية بناء الهيكل مُجرد حلم صِهْيَوْنِي، وأسطورة خرافية، بل إن الصهاينة قد سعوا بخطوات عملية ماكرةٍ لتحقيق بناء الهيكل؛ من تلك الخطوات:1- العمل الدءوب على تهْويد مدينة القدس، وتغيير معالم المدينة جغرافيًّا، من خلال هدْم المساجد والآثار الإسلاميَّة، ومُصادرة الأوقاف والمدارِس، مع إنشاء آثار يهوديَّة، تُذكِّر اليهود بعراقة دينهم، ناهيكم عن بناء المستوطنات اليهوديَّة، وتَهْجير سكان القُدْس الأصليين من مدِينتهم، كل ذلك لجعْل القدس مدينة يهودية صرفة؛ تمهيدًا لبناء الهيْكل فيها.
2- أعمال الحفر، والتي بدأتْ منذ أكثر من أربعين سنة إلى يومنا هذا؛ بحُجَّة البحثِ عن آثارٍ لِهَيْكل سليمان القديم، والهدف الحقيقي هو تفريغ الأرض التي تحت المسْجد الأقصى، ومسجد الصخرة، ومِن ثَمَّ انهيارهما -لا قدَّر الله- تحت أية هزة طبيعية، أو صناعية مفْتَعَلَة.
3- أن الحكومة اليهودية قد صرحتْ رسميًّا لعشرات المنظمات اليهودية للعمل من أجْل بناء الهيكل، ومن أشهرها جماعة أمناء الهيكل، والتي تلْقى دعمًا واسعًا داخل دُويلة اليهود وخارجها، ويُقيمون الندوات والمؤتَمرات، ويجمعون التبرعات من أثرياء اليهود في العالم مِنْ أجْل الهيكل، بل إن الصهاينة قد فتحوا مدارس دينية، الهدفُ منها وغايتها تعليم الناشئة على معالِم الهيكل الجديد وضخامته ومساحته، ودِقَّة هندسته، وإتقان خدماته. وهذه المنظمات والجماعات تنتظر فقط الإشارة الخضراء للبَدْء في بناء الهيكل.
إخوة الإيمان:
يقول الله - تعالى -عن طبيعة اليهود: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ)[آل عمران: 112]، فاليهود لم يحققوا أهدافهم ولن يحققوها إلا بحبل من النصارى، وما أقاموا دولتهم في أرض الإسراء إلا بمعونةٍ من النصارى الإنجليز، وما أعْلَنُوا القُدْس عاصمةً لهم إلا بعد تأييد العالَم النصراني لهم، حتى بناء الهيكل المزعوم لَم يجرؤ اليهودُ عليه، ويتنادون إليه إلا بتأييد من النصارى. ومن تعاليم النصرانية البُروتستانتيَّة المنتظرة عوْدة المسيح ابن مريم في آخر الزمان مرة ثانية، وسيحكمون معه الأرض، ويؤمِّل النَّصارى بتنصُّر اليهود بعد نزوله، وهذا النُّزول لن يتحققَ في عقيدتهم إلا بأمور ثلاثة:أولاً: قيام دولة إسرائيل.
ثانيًا: أن تصبحَ القُدس عاصمة يهودية. ثالثًا: بناء الهيكل على أنقاض المسْجد الأقصى.وأصحاب هذه العقيدة الإنجيليَّة الصِّهيونية لهم نفوذ في كثيرٍ من دول أوروبا وأمريكا، ولهم وسائل إعلام ونفوذ سياسي واقتصادي مؤثِّر جدًّا، وهناك عشرات الكنائس النصرانية تبشِّر بهدْم الأقصى، وبناء الهيْكل، وانتظار المسيح. فاجتمع على المسلمين في اغتيال أقصاهم أصحابُ الديانة اليهودية والنصرانية البُروتستانتيَّة، ويَمْكُرون ويمكر الله والله خير الماكرين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) [الإسراء: 4]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
إن الحقيقة مُرَّة، والواقع مخيفٌ ومفزع، ونُذُر تَهَدُّم الأقصى تلوح في الأفقِ ليل نهار، وأساساته على وشك الانهيار، وأسواره تُواجِه الاندثار، والاعتداءُ عليه متكرِّر باستمرار.
ووالله -يا عباد الله- لو خلص أرذل الخلْق إلى أقصانا، وأنْهوا مؤامراتهم فيه رغم أنف مليار مسلم، ليَبْقى وصمة عار، لا يمحوه زمانٌ، ولا يغسله ماء. وليس من المنطق أمام هذه المؤامَرة على اغتيال الأقصى أن يُقال: إنَّ للبَيْت ربًّا يَحْميه، نعم للبيت ربٌّ يحميه، وأَمْرُ الله بكلمة كن (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ)[محمد: 4].والله - تعالى -قد جعل لكلِّ شيء سببًا، فإذا أخذوا بالأسباب المادية، ووهنَّا وغفلنا وتجاهَلْنا، كانت الغلبة والدائرة لهم، والواقع الذي نعيشه وتشهد له الأيام أن اليهود ماضون وجادُّون، فقد خطَّطوا -قبل قرن من الزمن- رسم دولتهم، فأقاموها، ثم خططوا لاتخاذ القدس عاصمة لهم، فحققوا مقصدهم، وهم الآن يتحرَّكون لبناء الهيكل وهدم الأقصى، وهو أمرٌ قد يقع، وليس ثمة نصٌّ شرعي يمنع من وقوعه، ونسأل الله - عز وجل - ألا يقع، وألا نرى أقصانا يتهاوى على يد أرذل وأنجس الخليقة. وليس سرًّا -عباد الله- أن هذا العام الذي نعيشه هو عامٌ مصيري للأقصى؛ فقد صرحتْ جماعات يهوديةٌ متطرِّفة وأخرى علمانيَّة: أن هذا العام هو عام بناء الهيكل.
ويبقى السؤال الأهمُّ: ماذا قدَّم المسلمون تجاه هذا الاحتمال؟ وما هي العدة التي أعدوها؟ والقوة التي بنوها تجاه هذه الكارثة؟ وهل واقعنا وحالنا -نحن المسلمين- يتناسَب مع تلك الأخطار؟
ما دور إعلام المسلمين أمام هذه القضيَّة المفزعة؟ لماذا أشغلتْنا قنوات الضرار وإعلام السوء بالمطاحنات الداخلية عن التَّعْبئة الكبرى لقضيتنا الكبرى؟! ثُمَّ ماذا قدَّمنا للأقصى من فعال أو حتى من كلام يكفي لرفْع الإثم عنَّا أمام الله؟!
ولو وقعت الكارثة، وحلت المصيبة -لا قدَّر الله- فآهٍ ثُم آه، من مراراتٍ في القلوب ولوعات في الضمير، فليستْ هي والله كارثة زمان، بل كارثة أمَّة، وعندها لنْ يرحمنا التاريخُ حُكَّامًا ومحكومين، وسيقول لنا كما قال يوم سقطت الأندلس: ابكوا كما تبكي النساء.
إبراهيم بن صالح العجلان/ طريق الاسلام