إنني
فتى في السابعة عشرة أؤدي ولله الحمد ما افترضه الله جل وعلى على عباده من
أركان الإسلام وواجباته، وأجاهد نفسي على جعلها في أتم صورة، إلا إن في
نفسي شعوراً أحس من خلاله أني أرتكب معصية موبقة، وأيضاً توقعني في عذاب
الله وسخطه، وقد ارتكبته من حيث لا أشعر وأحس أنني مثل عبد النبي صلى الله
عليه وسلم الذي أصابه سهم من الكفار، وبعد خيبر فقال المسلمون هنيئاً له
الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلا والذي نفسي بيده إن الشملة
التي أخذها من المغانم يوم خيبر لم تصبها القسمة لتشتعل عليه ناراً). خلاصة
الأمر: أنني في معصية ولا أعرفها، أرجو إجابتي نحو هذا الشعور، هل هو دليل
خير وتقوى أم دليل على غير ذلك، وأرجو التعليق على هذا؟
هذا
من الدلائل على شدة خوفك من الله عز وجل، وتعظيمك لحرماته فأنت على خير إن
شاء الله، وعليك أن تبتعد عن هذا الخوف الذي لا وجه له؛ لأنه من الشيطان
ليتعبك ويغلقك ويضيق عليك حياتك، فاعرف أنه من عدو الله لما رأى منك المحبة
للخير ورأى منك الغيرة لله، ورأى منك المبادرة للخيرات أراد أن يتعبك،
فاعصه وابتعد عما أراده منك، واطمئن إلى ربك واعلم أن التوبة كافية، وإن
كان الذنب أعظم من كل عظيم فتوبة الله فوق ذلك، وليس هناك ذنب عظيم أعظم من
الشرك والمشرك متى تاب تاب الله عليه وغفر له، فأنت عليك بالتوبة مما قد
علمت أنك فعلته، وبعد التوبة ينتهي كل شيء، ولا ينبغي لك أن توسوس أو تطيع
عدو الله في هذا الخجل أو في هذا الخوف الذي قد يضرك، ولكن تعلم أنك بحمد
لله قد فزت فوزاً عظيماً بالتوبة الصادقة النصوح كما قال المولى سبحانه:
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ
اهْتَدَى) وهناك آية أعظم في المعنى وهي: أن العبد متى تاب وأتبع التوبة
بالإيمان والعمل الصالح أبدل الله تلك السيئة حسنة، جعل مكان كل سيئة حسنة،
كما قال سبحانه في سورة الفرقان: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ
إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ
إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا *
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا
* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ
يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَّحِيمًا فأخبر سبحانه أنه يبدل سيئات هؤلاء حسنات بسبب توبتهم الصادقة
وإيمانهم وعملهم الصالح، فأنت بذكرك ذنبك الذي أشرت إليه، وتوبتك منه من
متابعة ما جرى منك من الأعمال الصالحة وبالإيمان والتصديق والرغبة بما عند
الله، الله سبحانه يبدلك بدل السيئة حسنة، وهكذا جميع السيئات يتوب منها
العبد ويتبعها من الإيمان والعمل الصالح، الله يبدلها له سبحانه، فضلاً منه
وإحساناً. جزاكم الله خيراً سماحة الشيخ في ختام...